السبت 4 مايو 2024
كتاب الرأي

أبو أيمن الفارح: الجيش المغربي على المحك

أبو أيمن الفارح: الجيش المغربي على المحك أبو أيمن الفارح، خبير في القضايا الأمنية والعسكرية

 

ما يعتبره المواطن العادي تغييرا وتقويما وإعادة هيكلة للمؤسسة العسكرية، عندما يتعلق الأمر بتعيينات جديدة على رأس مصالح ومكاتب وقطاعات ومناطق عسكرية وأسلحة،  لا يعدو في واقع الأمر كونه نشاطا عاديا، يخضع لمتطلبات مهنية صرف، وكذلك للظرف السياسي العام، داخليا وخارجيا.

في هذا الإطار تندرج الحركية التي تحصل اليوم في الجيش المغربي، والمتمثلة في إعادة التوزيع الجغرافي لقادة عسكريين من كبار ضباط الجيش وكذلك على مستوى التكليف بمهام وضخ دماء جديدة، يجسدها ضباط جدد، لا يمكن اعتبارهم شبابا، كما تذهب إلى ذلك بعض وسائل الإعلام، بالنظر لمعدل السن الذي يتجاوز الستين سنة، وهو رقم مرتفع جدا بالمقارنة مع باقي دول العالم الغربي على وجه الخصوص، وكذلك بعض الدول الإفريقية التي تتقدم بشكل كبير وسريع على طريق إعداد جيوش قادرة على كسب الرهانات الأمنية في المستقبل، قاريا ودوليا، يساعدها في هذا المنحى نسب نمو مشجعة تتجاوز معدلات النمو الدولي، وهو الشيء الذي بدأ يثير مخاوف القوى الاستعمارية القديمة التي قد تصبح مصالحها المختلفة في مهب الريح.

لقد تجاوز التاريخ والتطور مفاهيم وعقليات عسكرية  وعقائد وأشخاصا كذلك، لم يعد مرغوبا فيهم من قبل الأنظمة، بالنظر لقوتهم المعنوية وتاريخهم العسكري والسياسي المرتبط بفترات حكم معينة وقربهم من دوائر القرار العليا، ما يجعلهم على اطلاع كبير على أسرار للدولة لا تتوفر لغيرهم وفي هذا بعض ضعف للسلطة المركزية وإن شكلوا دوما أحد أعمدتها وركائزها عسكريا واستخباراتيا وسياسيا لأجل تحقيق التوازن المطلوب بين السياسي والعسكري.

 على خط تماس رفيع جدا يقف العسكري، دائما، وعلى الجانب الآخر يقف السياسي. كل من موقعه يفترض أن  يقوم بما يلزم لمواكبة التغيرات ومواجهة التحديات. الحدود بين السياسي والعسكري لم تكن واضحة، في يوم من الأيام، وستظل. لن ينجح السياسي في مهامه بدون ضمان دعم ومساندة الجيش أو ضمان حياده، على الأقل، والعسكري يحتاج للدعم والإسناد رسميا وشعبيا بالنظر للمهام الكبيرة والخطيرة المختلفة، المتعلقة بأمن البلاد وسلامتها وحمايتها من كل أنواع الأخطار الداخلية والخارجية. كي يكون قادرا على مواجهة التحديات والقيام بدوره على أكمل وجه وفي جاهزية تامة، يحتاج الجيش إلى التماسك والانسجام والتكامل بين جميع مكوناته وإلى الشعور بالاستقرار والاطمئنان على مستقبل أفراده أثناء القيام بواجباتهم أو بعد نهاية خدماتهم. لقد خطا المغرب خطوات مهمة في هذا المجال، وفي مقدمة الإجراءات يأتي القانون الذي يحمي العسكري من كل متابعة في ما يتعلق بالقضايا المرتبطة بأحداث تمت أثناء القيام بواجبه المهني،  وقبله تحقق التصالح بعد توتر مصطنع كان وراءه بعض الانقلابيين، بين الجيش وملك البلاد، المغفور له الملك الحسن الثاني وأنشئت مؤسسات للرعاية الاجتماعية لأفراد قوات الجيش الملكي متمثلة في المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية. وفي هذا الإطار أنشئت كذلك مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء المحاربين وقدماء العسكريين، وهي الإجراءات التي تبقى غير قادرة على الاستجابة للاحتياجات والمتطلبات الكبيرة والمتنوعة لمختلف الشرائح، وخصوصا فئات قدماء المحاربين وقدماء العسكريين وذوي الحقوق من أيتام وأرامل وأسر الشهداء. هذه الإشارة كانت، فقط، من أجل توضيح أأهمية الدعم والإسناد والاهتمام لما له من دور كبير في تسهيل مأمورية القوات المسلحة الملكية.

المؤسسة العسكرية لا تحتمل الضجيج ولا تحتمل التغيرات الكبيرة والمفاجئة وكل شكل تغيير صادم، لذا يمكن اعتبار سلم الترقية البطيء جدا، أداة تضمن المتابعة والمراقبة من أجل الوصول إلى أعلى المراتب في سن نضج متقدم. لن تكون جنيرالا في المغرب دون سن الستين مع العلم بأن سن تقاعد الضباط هو نفس السن، أي 60 سنة يمكن تمديدها في حال الحاجة لكفاءات معينة في ميادين بها خصاص ونقص أو في حالات استنفار أو لحاجة للتمديد لأجل الحاجة وتلبية لنداء الواجب.

من غير الطبيعي ألا تحظى المؤسسة العسكرية بالمتابعة والاهتمام، فهي القلب النابض للأمة، وكل توتر وضغط يؤثر على نبضه، لهذا يحتاج إلى كل وسائل  التحصين اللازمة والممكنة وتجنيبه كل ما من شأنه تعريضه للإرهاق والاستنزاف في مناوشات قد تبعده عن مهامه المقدسة. الخرس غير مرغوب فيه في المؤسسة العسكرية عندما يتعلق الأمر بالمس بمقدسات البلاد ومستقبلها، وفي إبداء الرأي في قضايا الأمن القومي ووضع خطط وتصاميم النظام الدفاعي الناجع لمواجهة الأزمات الطارئة والتهديدات والاستفزازات.

يجرنا ويقودنا الحديث، أبطالا لا مرغمين، إلى ما بات يعرف بقضية حياة، الشابة التي لقيت حتفها بنيران صديقة.

موت حياة هو الشجرة التي تخفي غابة من الأحداث والوقائع والأفكار التي يتم استنباتها في تربة الكراهية  والحقد المستورد لأجل التشكيك في مقومات وفي قدرات وفي أهداف الجيش المغربي وطعن للعمق الإنساني للمواطن المغربي المتشبع بروح الاختلاف والتعدد والمشرئب دوما للحرية والفضاءات الفسيحة الرحبة.

نظرية المؤامرة لم تغريني في يوم من الأيام ولا أعتمدها إلا عندما تكون بمثابة تحصيل حاصل. تواتر الأحداث في حيز زمني وجغرافي ضيق جدا يقلقنا ويدفعنا إلى محاولة  فهم ما يجري على حدود البلاد، نحن الذين نحمد القدير إذ حبانا بحدود غربية جارنا فيها بحر وسمك يثير الحسد والحقد.

 اندلاع أحداث الريف في نهاية شهر أكتوبر 2016، على خلفية وفاة المرحوم محسن فكري لم تكن البداية، كما نعرف جميعا، سبقتها أحداث كثيرة، لكنها كانت الأهم في سلسلة الأحداث التي خلقت بعض الفتور في علاقة مناطق الريف بالحكم المركزي، هذا الأخير الذي طوى صفحة الجفاء والشك وفتح أبواب الأمل على المستقبل وبدأنا نسجل التغير والتغيير على كل المستويات، في الأقطاب الحضرية على الخصوص. ميناء طنجة المتوسط، الطريق السريع الشاطئي، مشاريع ماريشكا والناضور ، القاعدة البحرية القصر الصغير، وهي القاعدة البحرية العسكرية الأولى وطنيا، تجهيزا وجاهزية. لا يمكن عدم الإشارة إلى أن جنوب البحر الأبيض المتوسط، أي شواطئنا الشمالية بدأت تتحول شيئا فشيئا إلى أشبه بمنطقة دولية على غرار ما كانت عليه مدينة طنجة في فترة الحماية، تحولت إلى فضاء مفتوح على كل المقايضات والصفقات والمعاملات،  وهو وضع مقلق جدا أمنيا. ولا بد من تذكر حادث جزيرة ليلى والأثر  البالغ الذي خلفه في نفوس المغاربة، والذي نعتقد بأنه جعل البوصلة  المغربية تأخذ مناطق الشمال وجهة مفضلة  للحد من أطماع الجارة إسبانيا والوقوف ندا للند وتذكيرها بأن المغرب بلد «المحاربين وبناة الممالك الكبار».

وفاة حياة كان حادثا عرضيا، لكن وجود الزورق سبب المأساة لم يكن عرضيا، كان مع سبق الإصرار والترصد لنظام دفاعي ولسيادة البلاد  وجعل من شباب تائه ضل الطريق، مطية، في غياب أي مبادرة رسمية لانتشاله من دائرة اليأس والضياع من خلال مشاريع تبعث فيه الأمل  وكذلك استسلام وسقوط النخب السياسية والثقافية في مستنقع الريع والفساد.

أن تبدأ مناورات الزورق الشبح مباشرة بعد إغلاق النقطة الجمركية للمعبر الحدودي بني انصر–مليلية، أمر يصعب فهمه. هل يتعلق الأمر برسالة تم استدراج رجال العصابات والمخدرات لها من أطراف تعرف جيدا عنوان المرسل إليه  وتعرف الأماكن الحساسة في الجسم المغربي؟ أم هو عمل تهريبي ومخدراتي صرف؟

مهما يكن من أمر، لا يمكن أن نعلق مصير البلاد على المجهول، كل المؤشرات تدل على استهداف أمن البلاد وسمعة حماة حدوده ونجاعة نظامه الدفاعي، ويبقى تدخل القوات البحرية الملكية أمرا مشروعا وواجبا تحاسب على عدم القيام به.