الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

الجعيدي يفكك أسباب تراجع منظومة التكوين المهني واختلالاتها بالمغرب

الجعيدي يفكك أسباب تراجع منظومة التكوين المهني واختلالاتها بالمغرب فؤاد الجعيدي
كانت منظومة التكوين المهني، قبل سنة 2004، تشكل بالمقارنة مع مجموع الأنظمة التكوينية بما فيها التعليم العالي، أفضل جهاز في إتاحة الإنخراط و الإندماج في سوق العمل للمنتسبين إلى مختلف مسالكه.
لكن عناصر هذه القوة تآكلت وأصيبت بالضعف الشديد والوهن القاتل، الذي يقتضي البحث في الأسباب والمسببات التي أنتجت هذا الوضع الكارثي.
فخلال صيف 2004 نبهنا داخل ندوة وطنية، نظمها ساعتها بالرباط حزب التقدم والإشتراكية، بالرأي أن الإجراءات التي عمد المسؤولون الجدد إلى تطبيقها، ستدب على الأخضر واليابس وأن العودة إلى اللجوء مثلا إلى نظام التناوب سيكون الضربة التي تقصم ظهر البعير.، وأن رهن نظام التكوين المهني بالتربية الوطنية وجعله تابعا لها كما جاء في توصيات الميثاق الوطني للتربية التكوين سيؤدي إلى نتائج كارثية على الجهاز التكويني الذي يقتضي في ارتباطاته الإنصات والتجاوب مع الاحتياجات الناشئة والمرتقبة للنسيج الإقتصادي الوطني من حيث الموارد البشرية والكفاءات الممهنة، وأن يكون ارتباطه الطبيعي والسليم بالتشغيل.
واختار المسؤولون الجدد الترويج، لبدع وخرافات انزاحت كليا عن التفكير العقلاني في القضايا الإستراتيجية المرتبطة بنظم ومناهج التلقين المهني وتعلماته وتتبع مواصفات المهن الناشئة في سوق العمل وتغير وتيرة تحولاتها، وهنا لابد من استحضار بعض النماذج المحزنة التي انشغل واشتغل عليها المسؤولون والتي كان عنوانها الأبرز سياسة الترشيد:
* التهافت على حفر الآبار بالمؤسسات والمراكز التكوينية.
*االتقليص المهول لميزانيات التسيير(نفقات مواد العمل والهاتف والماء والكهرباء وصيانة المعدات والتجهيزات.. )
*اللمرور من 48.000 مقعد بيداغوجي في السنة إلى ما يفوق 200000. دون استحضار العوامل المرافقة لهذه التحولات الكمية الكبرى.
*الانشغال بالمراكز الإجتماعية دون التوفر على خبرات العمل في الأوساط الهشة وذات الاحتياجات الخاصة.ثم بالباكالوريا المهنية عملا بقاعدة إشهار الشمبوهات 1X2 حيث يتناوب التعليم والتكوين على عمليات التدريس.
*صياغة الخرائط التكوينية السنوية دون ضوابط ولا ترقبات للاحتياجات المحيط المحلي والجهوي والوطني. بل وفق المزاج لم يتعد الانشغال بالبناية والمقاعد والطاولات.امام ظواهر الاكتظاظ تم العمل على تقليص الحصص الأسبوعية للتكوين وبالأخص في المواد الأساسية للتعلمات الحرفية مع اللجوء للتكوين التناوبي لتصريف المتدربين الحديثي العهد داخل الورشات الحرفية والمقاولات الصغيرة.
*الشروع في الإعتماد وبقوة على الأساتذة المتعاونين من المؤسسات الخاصة والعمومية.
*الانزياح عن منطق محطة العمل Poste de travail في الحصص التدريبية داخل المحارف وهو من بين المعايير الدولية للتدريبات المهنية.
*الانتقال من 34 حصة أسبوعية إلى 39 في السنة بالنسبة للمكونين لسد الخصاص دون استحضار عواقبه البيداغوجية.
هذه هي الخلاصات العاجلة والتي نعتقد أنها ساهمت وبقوة في تراجع أداء المنظومة التكوينية ببلادنا ولتجاوز هذه الإختلالات لا نعتقد أن ندوة وطنية مؤثثة بشعار والتناوب على منصة الخطابة كفيل بإحداث الترميمات المطلوبة لهذه التصدعات.
الأمر يحتاج إلى مساءلة عميقة لضبط الإختلالات وتحديدها وتصنيف أولويات التدخل والمعالجة. والاجراءات التي قادت لهذه الأوضاع يجب استئصالها بكل جرأة وشجاعة مع إشراك كل مكونات المنظومة وليس الاقتصار على آراء مسؤولين إداريين كانوا جزءا من الأزمة. مع الإعلان وبقوة على أن استرداد وظائف القطاع الإستراتيجية اليوم يحتاج إلى تمويلات قوية لتجديد التجهيزات. والقطع مع سياسات التعتيم في تقديم الإحصائيات غير النافعة. وكذلك التفكير جديا في انعاش التعاون الدولي واستقدام الكفاءات من البلدان الأجنبية للإشراف على المراكز الوطنية لتنمية كفاءات المكونين.
                                                               - فؤاد الجعيدي،خبير في التكوين المهني