الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: اليوم العالمي للدمقراطية/ اليوم الحزبي للدمقراطية الداخلية

مصطفى المنوزي: اليوم العالمي للدمقراطية/ اليوم الحزبي للدمقراطية الداخلية مصطفى المنوزي

"كذب من يزعم أن ذاكرته خانته، اللهم إذا كان ممتهنا للوفاء لأتفه اللحظات !"(مصطفى أبو نسيم) 

مهما اختلفنا فيما بيننا، ومهما كانت كلفة تداعيات الصراعات داخل الأحزاب التي ننتمي إليها، بسبب الشلل المزمن الذي ينخر الديموقراطية الداخلية، فليس المقام يسمح بالتفصيل أكثر، نظرا لهيمنة الهاجس الانتخابي كخيار استراتيجي، بدل أن يظل مجرد قناة ضمن قنوات استراتيجيا النضال الديموقراطي؛ فإن المطلوب هو التركيز على شحذ الهمم بعقلنة الطموحات، بجعلها جمعية، وتطهيرها من النرجسية القاتلة، خاصة في ظل الهشاشة التنظيمية والعوز إلى طاقات شابة تفعل قانون نفي النفي، لا هي تمجد ماضي الأسلاف، ولا هي تبخس تضحياتهم ومنجزاتهم النضالية والفكرية والسياسية، ولا هي تتنكر للبعد الإنساني في الهوية الحزبية، حيث لا مذهبية سوى التي يؤطرها ثلاثي التحرير والديموقراطية والاشتراكية، وفي ظل التيه الثقافي الذي اعترى بوصلات الحركات التحررية والتقدمية ، منذ سقوط جدار برلين إلى سقوط  بغداد وانهيار رأسمالية الدول القومية تباعا، وتقوقع  المخضرمين ممن قادوا حركات التصحيح التنظيمي ضمن متاهات الانتماء إلى "أصول" حركة التحرير الشعبية المغلفة بوهم الامتداد  والميراث.

والحال أن حركة اليسار كانت شبابية ومؤطرة بجبرية النزوع، حتى لا نقول الخضوع، إما لجناح البورجوازية الصغيرة ذات الأصول الريفية، أي الزراعية والقروية، أغلب أطرها تتلمذوا على يد فقهاء المدارس العتيقة وكليات الشريعة، أو ورثوا حرف تقليدية، أو التجارة الصغرى أو المتوسطة، تخرجوا مقاومين أو أعضاء جيش التحرير، واستمروا بعد الحماية مناضلين مؤمنين بالكفاح المسلح.. بالنسبة لأغلبهم، كانت بداية نهاية خيارهم هذا في منتصف السبعينات، حيث كان انعقاد المؤتمرات الاستثنائية فرصة للقطع مع هذه الخيارات باسم المراجعات الفكرية والوضوح الإيديولوجي.

وهي الفرصة التي جعلت جناح الأطر السياسية يتقوى، وهو جناح استمد شروط تشكله من كونه نشأ في رحم البورجوازية الصغيرة ذات الأصول المدينية، والتي تكون وتخرج أغلب أطرها من المدارس العصرية والكليات الحديثة أو الأجنبية.

بالموازاة مع انعقاد محطة المراجعة، كانت السجون والمنافي تحول دون المشاركة النوعية "المذهبية" لجناح الراديكاليين المحسوبين على البورجوازية ذات الأصول الزراعية. وقد أثر هذا الارتباك السياسي على الوضع التنظيمي، وحصلت القطيعة التنظيمية بين ما يسمى بتنظيم الخارج والحزب الأم، فنشأ ما يسمى، "الاختيار الثوري"، وهذا موضوع يحتاج إلى مقالات خاصة، لأن مياه كثيرة جرت تحت الجسر، وما زال التقييم الحقيقي لما جرى قيد الحجر والتأجيل، وعانت الديموقراطية الداخلية كثيرا بسبب عدم دمقرطة الحقيقة الحزبية.

ولعل ما يعانيه  شبابنا "الحزبي" اليوم، وعلى قدم المساواة، وفي جميع  المكونات "السياسية" المنبثقة أو المنشقة عن الحزب الأم "حزب القوات الشعبية"، ما يعانونه من تيه وارتباك، لدليل على مسيس الحاجة إلى مصالحة  الشبيبات مع تاريخ الحركة التقدمية، بعيدا عن شوفينية الانتماء إلى "الحركة الاتحادية الأصيلة"، وبعيدا عن نزعة الجذرية في العلاقة مع تملك الحقيقة الثورية، والتي غالبا ما تخفي الأعطاب الموروثة تاريخيا،  من ازدواجية، والتي وصفها  التقرير الإيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي للاتحاد: "مضطرة إلى سلوك مسلك التذبذب... مما طبع سلوكها بالطابع الانتهازي، وجعلها تقوم أحيانا بردود أفعال عفوية غير منظمة، وتعيش حالة من اليأس بسبب الخطر الذي يهددها، الشيء الذي طبع سلوكها الثوري بطابع المغامرة" (التقرير، ص.120). وقد تكرر بسبب هذا السلوك سؤال من انشق عن من ومن طرد من من الحزب، هذا السؤال الذي حان الوقت لملامسة ملامح الحقيقة حوله ، قبل استكمال أي إرادة للاندماج مع أحزاب أخرى أو تلك نفسها التي كانت ضمن الدينامية التنظيمية لحزب القوات الشعبية..

وسيرث الجيل الجديد نفس الأعطاب التي لم يحسم في مسؤولية تجاوزها؛ خاصة أن ملامح قيادات الحركة التقدمية تغيرت، بل شاخت، مع الإشارة أيضا إلى أن الخصوم السياسيين، سواء كانوا في سدة الحكم أو خارجها، يعانون من أزمة تجديد أسباب الكينونة والاستمرارية، التي لم تعد مضمونة بالشرعيات المتلاشية. فمطلب الديمقراطية وإقرار الحقوق الإنسانية يفرض ذاته أمام فشل ثنائية التحول والتكيف، التي تتذرع وراءها أنظمة الحكم الفردي المطلق، وتتأثر بتداعياتها التنظيمات السياسية؛ مما يستدعي إعادة النظر في جميع التسويات السابقة، بعد تفعيل الايجابي منها والمهكيل لكل شروط بناء دولة المجتمع والمؤسسات والقانون.. هذه الشروط التي تؤطرها إرادة العيش المشترك والدفاع عن السيادة الوطنية، التي تخلت عنها الدول العالم-ثالثية، عبر بوابة المساعدات الدولية واملاءات  المؤسسات المالية المتعدية الجنسيات، مما يستوجب تحرير السياسات العمومية من أخطبوط اشتراطاتها الحاطة بالكرامة، في العلاقة مع المجالات الحيوية والاجتماعية من التشغيل إلى الصحة ثم التربية والتعليم.

وأن شروط البناء الديمقراطي غير ناضجة، لارتباط  التحول المعاق بالوعي والتمثل؛ فإنه يجب اعتبار مطلب إصلاح المنظومة التربوية، في جميع تقاطعاتها التشريعية والثقافية والاجتماعية والحقوقية،  سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو الفضاء العمومي، قضية مجتمعية، لا تدخل، فقط، ضمن الشأن الحكومي العابر، وإنما  ضمن الخيارات الاستراتيجية للوطن كشأن سيادي.

من هنا تأتي أهمية العمل على اعتبار هذا الورش الإصلاحي ذو أولوية وطنية، فهو كالقضايا المصيرية المماثلة لا يعقل تفويض تدبير مقتضياته إلى حكومات عابرة غير متحررة من التمثل السلبي لحرية الاعتقاد والتأويل المنحرف للحق في الاختلاف.