عند وصول عدد من المستثمرين الأجانب إلى المغرب، ينطلق كثير منهم في البحث عن “النوافد الكبرى” التي تتيح لهم الوصول السريع إلى الامتيازات والتسهيلات الاستثمارية. وغالباً ما يقصدون بذلك شخصيات نافذة تشتغل في محيط الاستثمار، ويتم التعرف عليها عبر ما يُعرف بمكاتب الاستشارة في مجال الاستثمار.
لكن خلف هذه المكاتب، تختفي في كثير من الحالات شخصيات كانت قد شغلت سابقاً مناصب عليا في الدولة، مثل ولاة، أو عمال، أو مدراء عامين لمؤسسات عمومية. وتقدم هذه المكاتب نفسها كـ”مُيسّرة” للاستثمار، مقابل عمولات ضخمة تُحتسب على أساس حجم المشروع الاستثماري وطبيعة الخدمات المقدمة.
ورغم أن لهذه المكاتب جانباً إيجابياً متمثلاً في الخبرة والتجربة والقدرة على تسريع الإجراءات الإدارية والدراية بالوسط المغربي، إلا أن الوجه الآخر لهذه الظاهرة يثير القلق، خصوصاً عندما تتحول تلك “الخدمات” إلى وسيلة للابتزاز، مستغلة تعطش المستثمر إلى السرعة والفعالية.
لذلك، تبرز الحاجة الملحة إلى تدخل الدولة من أجل تنظيم هذا القطاع وإرساء قواعد واضحة للوساطة والاستشارة في مجال الاستثمار، بما يضمن الشفافية ويحمي صورة المغرب كوجهة استثمارية آمنة وعادلة. فالنوافذ الرسمية الوحيدة التي ينبغي الاعتراف بها في هذا المجال هي المراكز الجهوية للاستثمار، وهي الكفيلة، قانوناً ومؤسساتياً، بمواكبة المستثمر وتقديم التسهيلات المطلوبة.
أما ما عدا ذلك، فيقع في خانة الممارسات التي تُسيء إلى مناخ الأعمال، وتُرسّخ الانطباع السلبي حول تعرض الاستثمارات الأجنبية للمضايقات والضغوط، وهو ما تؤكده بعض المؤشرات الرقمية الميدانية.
إن حماية الاستثمار الأجنبي في المغرب لا تقتصر على الإعفاءات أو الحوافز، بل تبدأ أولاً من ضمان بيئة نزيهة ومتكافئة أمام الجميع، تقطع مع كل أشكال السمسرة المقنّعة والوساطات غير الرسمية.