الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: إدراج الدارجة في التعليم أضحوكة القرن

صافي الدين البدالي: إدراج الدارجة في التعليم أضحوكة القرن صافي الدين البدالي

ما هو الهدف من إدراج الدارجة في المناهج الدراسية في هذا الموسم؟ هل هي محاولة لثني المواطنين والمواطنات على الاستمرار في نضالهم ضد الغلاء والحكرة والفساد ونهب المال العام، وجعلهم ينصرفون إلى الاهتمام بموضوع الدارجة؟ أم هي لعبة في إطار الألاعيب التي تبتدعها الحكومة حتى تتخلص من المطالب الشعبية الأساسية التي تحرجها كل يوم؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب منا الوقوف على الراهن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في ترابط جدلي، حتى لا ننخدع ولا نخضع للظرفية القاتلة التي يريدها لنا النظام المخزني. لذلك يجب طرح مسألة الدارجة في السياق العام وليس في معزل عنه، لأن ذلك انتحار اجتماعي.. فإدراج الدارجة في التعليم يأتي في ظرفية اقتصادية اجتماعية وثقافية تشهد على فشل  المغرب في تحقيق التنمية الشاملة ولو في حدها الأدنى رغم الأموال الضخمة التي تم صرفها في مشاريع كبرى دون جدوى، مما جعله لم يف بالتزاماته تجاه الشعب المغربي وتجاه الشركاء الأجانب في بناء الاقتصاد الوطني. كما أن إدراج الدارجة في التعليم جاء ليرضي المستعمرين الجدد الذين ظلوا يسعون إلى تحويل المدارس العمومية إلى مؤسسات لتكريس الأمية الثقافية والاستيلاب الفكري والتطرف والانحراف وطمس الهوية الوطنية عبر محتويات المناهج والبرامج، حتى يتحكموا في الشعب  ليصبح شعبا مستهلكا بامتياز، وتتكون لديه ثقافة الإشهار والاستهلاك الأعمى لما تنهجه الشركات مجهولة الاسم أو متعددة الجنسيات. والخطير في الموضوع هو تبريرات خدام هؤلاء المستعمرين الجدد من المتسلطين على التأليف وعلى التربية والتكوين، والتي مفادها أن الدارجة ضرورة بيداغوجية لتدريس اللغة العربية، مما جعل هذه التبريرات أضحوكة القرن الواحد والعشرين بالنسبة للمغرب وتعليمه، وتنقيصا من الأستاذ ومن ذكائه، وتحقيرا لعقل الطفل وتطوره، واستهتارا بالشعب المغربي. ذلك لأن اللغة العربية هي اللغة التي تمتلك في أحشائها أسباب ومسببات الإدراك في وقت وجيز. فهي تحكي عن المحيط وعن مكوناته الملموسة والمحسوسة، والتي لا تحتاج من المتعلم إلا أن يلامسها ويعيشها في بساطتها وفي شاعريتها وحبها وفي غزلها عبر أناشيد وعبر خطابها. فهي تغري الطفل وتجعله يتغير معرفيا ووجدانيا، وأنها لا تطلب من الأستاذ إلا أن يتعاطى مع المحيط ومكوناته وفق استعداد الطفل وفضوله المعرفي وتطلعاته، دون اللجوء إلى كلمات من الدارجة التي تبدو كالورم في الجسم السليم.. فاللجوء إلى الدارجة منهجية لقتل اللغة العربية في إطار مخطط له امتدادات استعمارية عبر التاريخ المعاصر. لأن اللغة العربية بحر لا يعرف عمقه إلا الذين يغوصون فيه، كما قال الشاعر حافظ ابراهيم :

وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية    وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِي

أنا البحر في أحشائه الدر كامن    فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي

فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني   ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي

فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني   أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي

أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة    وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ

إن الدارجة لم تكن إطلاقا، عبر التاريخ، وسيلة تواصلية لبناء المعارف والمفاهيم والمهارات والكفايات، بل هي خاصة للمتاجرين في السلع الاستهلاكية وفي الوصلات الإشهارية والسوقية. كما أن التلميذ المغربي استطاع التمكن من اللغة العربية في كل أبعادها الأدبية والعلمية والفنية بدون التشويش على هندستها أو بنائها المنطقي بالدارجة، وذلك تحديا لكل المخططات المخزنية منذ استقلال المغرب التي ظلت تسعى إلى تكريس الأمية الثقافية، والآن انتقلت هذه المخططات إلى  تكريس الأمية القرائية.

- صافي الدين البدالي، فاعل سياسي وحقوقي