إن الحق في تملك وسائل الدفاع و المقاومة الشرعية بكل مساواة يقتضي التعالي عن نظرية المؤامرة التي تحضرنا كلما ووجهنا او فوجئنا بمبادرة ، مما يتطلب التذكير بأهمية دمقرطة صناعة التشريع بفتح نقاش عمومي غير متسرع ، فالدولة تسرعت بإخراج قانون التجنيد الاجباري في ظرفية حساسة تهم الوضع الاجتماعي الشبابي وبمناسبة وطنية تهم استمرار مقاومة الاستعمار الثقافي والاقتصادي ؛ ومع كامل الاحترام لوجهات نظر غيرنا من الشباب والمثقفين والحقوقيين والأمنيين والبرلمانيين حول التشريع المتعلق بالخدمة العسكرية او المسمى بقانون التجنيد الإجباري ؛ فالمجازفة بالقول بأن القانون شرع كفزاعة وذريعة لتطويق حرية التعبير وإرادة التظاهر والإحتجاج ، موقف غير مرتكز على أساس ما دامت السلطة العمومية تملك العديد من وسائل القمع والتهديد تغنيها عن التحايل والتدليس عند رغبتها في كبح الجماح وشل الإرادة ، بغض النظر عن اضمار الموقف لوصاية قاتلة على الشباب بخلفية تبخيس صموده وروحه الكفاحية ؛ الشيء الذي يستدعي مزيدا من التفكير والتدقيق في كيفية التعامل مع قانون ناقص عن درجة الاعتبار ، لأنه يوحي بكونه منسجم مع واجب وطني وكوني في العلاقة مع الحق في التربية والتكوين ، بمحتوى تأهيلي بالتربية على المواطنة ورد الاعتبار لقيمها وقيم الحرية وحب الوطن والدفاع عنه ، وعلى المشاركة في تدبير شؤونه وفقا لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون ، وفي نسجام تام مع واجب تحمل الأعباء المشتركة بروح تعاضدية وتضامنية ، حماية للمشترك الوطني وحوزة التراب ووحدته ، فليست سيادة الدولة إلا جزء منفعلا ومتفاعلا بالقانون والمشاعر الوطنية مع صون الكرامة الوطنية ؛ لذلك فالنقاش ينبغي ان يلامس الخلفيات الحقيقية لعودة اصدار هذا القانون ،وبكل شفافية ومسؤولية ، بالتركيز على فحص شرعيته وكذا مشروعيته خاصة في مدى ملاءمته للدستور ومع المعايير الكونية للخدمة العسكرية ، فرغم أن عبارة " الإجباري " التي تقترن في بعض التشريعات بالتجنيد لغاية ابراز نفحة الإكراه ، فإن المواطنين والمواطنات في حاجة إلى تمكينهم من الحق في تملك وسائل الدفاع الشرعي عن النفس والمال والعرض ، كما يقول الفقهاء ، فدون تمكينهم من هذه الوسائل وتحت مسؤوليتهم القانونية والتزامهم الأخلاقي ، سيرهنون مهمة حماية مواطنتهم وأمنهم للغير وباي ثمن ، والمقصود هنا بالغير ليس فقط الدولة ومؤسساتها الامنية والتشريعية والقضائية المختصة ، والتي تملك شرعية استعمال القوة العمومية لتنفيذ السياسات ولردع المخالفات وفرض احترام القانون ضمن ما يسمى بالعنف المشروع والمؤسس على القانون ، بل المقصود هو ذوو النفوذ والحاجة الى تغيير الوضع والمراكز المؤسساتية بالعنف وانتهاك القانون وقواعد السلم والديموقراطية ، وقد يدفع الأمر الشبان الى الهجرة من اجل العيش او الارتزاق بالخارج ، وما القضية الافغانية إلا نموذجا ينبغي تمثل دروسه .
من هنا أثمن عودة الحق في الاستفادة من التكوين والتدريب في مجال الخدمة العسكرية ، غير أن التدريب على استعمال السلاح الخفيف اللازم للدفاع الشرعي ، يبقى شرطا لنجاعة ولجدوى القانون ، وكذلك التمرين على كيفية التأهيل النفسي والبدني ، لغاية الإعداد المعنوي لمواجهة المخاطر وتمثل قواعد الدفاع الاجتماعي والوقاية المدني ، في حالة الحرب او السلم . ليطرح سؤال جدوى قضاء سنة في الثكنات بخلفية تأديبية وتربوية محضة ، والحال ان هذا الدور أن تلعبه المؤسسات التعليمية والرياضية وكذا الجمعيات الثقافية والتربوية المدنية ، وليتبعه سؤال فرعي حول حضور إرادة التطاول على اختصاصات قوى المجتمع المدني بنية تهريب الفعل المدني الحاضن لقيم التطوع والمواطنة والسلم ، بعلة امتصاص الاحتقان او ترويض التمرد .
صحيح أن هناك توجسا لدى المصالح الأمنية يسود بسبب ظاهرة التطرف والإرهاب ، غير أن هذا التوجس يؤكد الحاجة الى ضرورة خلق توازن ومساواة في الاستفادة من التدريب على السلاح ، فلا يعقل ان يراهن على جيش احتياطي افتراضي ثلثه من فلول العائدين من حروب مأجورة ، او الرهان على مقاومة شعبية لغزو مفترض أغلب عناصرها الفاعلة تدربت في حقول الحقد الاجتماعي او معسكرات العمى الايديولوجي المؤطر بالتكفير الديني والتطرف العقائدي .