Tuesday 20 May 2025
خارج الحدود

في جزائر النفط والغاز: بدو رحل يعيشون على "النخالة" ورضّع يموتون من البرد

في جزائر النفط والغاز: بدو رحل يعيشون على "النخالة" ورضّع يموتون من البرد

لا يمكن أن يتصور أحد أن يجد مجموعات بشرية من البدو الرحل الجياع الفقراء في صحراء دولة عضو في منظمة الدول المصدرة للبترول، لكن في الجزائر، هذا ممكن، إذ مازالت يعيش أطفالها ونساؤها وشيوخها على هامش الحياة، يبيتون في العراء، يفترشون الأرض ويتلحفون السماء، ويقتاتون على "نخالة" المواشي حينما تنفد المؤونة الشحيحة جدا، فتتقلص أوزانهم ويقصرأطوالهم جراء أمراض سوء التغذية، بل ويموت بعضهم من البرد والمرض والجوع.

الوصف ليس خيالا علميا، يحكي عن مجاعة بلد من جنوب الصحراء، بل ببلد الجزائر، وصف اوردته جريدة "الخبر" الجزائرية ضمن تحقيق أنجزته مؤخرا حول البدو الرحل في صحرائها بما فيها صحراء تندوف، فقد أضحى الكثير من البدو الرحل منذ سنين عديدة دون هدف ولا أمل لهم سوى خوض معركة الحياة من أجل البقاء في مشاهد إنسانية مزرية للغاية، بسبب حرمانهم من خيرات التنمية في زمن البحبوحة المالية حتى فاجأتهم جارفات التقشف، فدكّتهم دكّا، ويئسوا من السلطات أن تغير حياتهم نحو الأفضل، فاستسلموا لواقعهم المرير ينتظرون الفرج من الله، ويحلمون كل يوم بصدقات المحسنين والجمعيات الخيرية من مساعدات طبية وغذائية وكسوة لعلها تصبرهم على قسوة الحياة.

بدا الأطفال والنساء يتحركون كالأشباح قرب منازلهم التي هي عبارة عن زرائب وأعشاش منصوبة تتشكل من الحلفاء وبعض الحطب، ومدعومة بالأكياس الفارغة لأغذية الأنعام.. بشير (38 سنة) رب عائلة كثيرة العدد. سألته أليس لديكم خيم صوف تأوون إليها؟ أجاب وقد أطرق إلى الأرض حياء من وضعيته المزرية الله غالب هكذا نعيش، وهذا هو بيتنا كما ترى، نفترش ونساؤنا وأطفالنا الرمل البارد في هذا الشتاء ونتغطى بفراش أو بطانية، والسقف هو السماء، فلا شيء يحمينا من الأعلى لعدم قدرتنا على توفير مبلغ خيمة صوف. وإذا السماء أمطرت في الليل، فنقضي كامل ليلتنا مستيقظين دون نوم، نرتجف من البرد بأطفالنا ونسائنا الحوامل والرضع وشيوخنا ومرضانا، أما إذا تهاطلت الأمطار في النهار فإن وقعها أخف علينا لكوننا نتحرك من مكان إلى آخر".

نزلت من السيارة وتبادلت التحية مع بعضهن فارتحن لي ثم سألتهن عن رب الأسرة ، فأجبن بأنه ذهب يرعى مواشيه. وهنا سألت صاحبة الزريبة ماذا أكلت في فطور الصباح؟ فخفضت رأسها وقالت لا شيء، أحيانا نفطر بالشاي وحده إذا توفر، وعند الغداء والعشاء نحضر خبزة ملّة من مطحون الدقيق ندفنها في رماد النار الساخن حتى تطهى ونتقاسمها جميعا". ثم أضافت "وعندما لا نجد شيئا نستنجد بنخالة الأغنام".. كان مشهد بعض أطفالها المصابين بأمراض سوء التغذية يدعو إلى الشفقة والبكاء، ويعيد إلى الأذهان صور المجاعة الشديدة في بعض بلدان الساحل الإفريقي.

أرتني مسعودة صاحبة زريبة أخرى، وكلها ألم وحزن، طفلَيها عبد المجيد (6سنوات) وسالمة ذات (4 سنوات) اللذين لا يقويان على الحركة بسبب المرض والجوع الشديد، فجسماهما مصابان بالهزال الشديد، ضخامة في الرأس قياسا ببقية الجسم وقصر في القامة وضعف في الوزن مقارنة بالقامة والوزن الافتراضيين ما يدل على أنهما مصابان بأمراض سوء التغذية، حسب ما ذكره لي طبيب العظام محلو جمال الدين الذي كان رفقة وفد طبي عاين في نفس اليوم بعض عائلات البدو الرحل ضمن القافلة الطبية لجمعية تاج الصحة بقمار، ومنها هذه العائلة، وأكد بأن "هذين الطفلين مصابان بأمراض ضعف المناعة وسوء التغذية لنقص بروتين كلوريك، وهو ما يدل عليه تخلف الوزن وتأخر طول القامة وفقر الدم وغيرها من الأمراض، لذلك يظهر الرأس كبيرا مقارنة ببقية الجسم"، وأضاف "لقد وجدنا مثل هذه الحالات لدى عدة أطفال أقل من 15 سنة وأيضا لدى عدد من الكبار نساءً ورجالا.

غير بعيد عن هذا المكان، توجهت إلى بيت من القش والحلفاء وأكياس أعلاف الماشية، سألت محمد (30 سنة) ويبدو ضعيف البنية قصير القامة، ويكاد يكون في مثل بِنية ابنه علي، 16 سنة كما يعتقد، ربما قصر قامة الوالد وضعف الوزن يعود إلى سوء التغذية. وجهت له سؤالا مستفزا أليس بإمكانكم توفير اللحوم من مواشيكم لاستهلاكها للتخفيف من الجوع؟ فأجاب "نحن فقراء جدا، عندما نشعر بالموت يقترب منا بسبب الجوع نبيع بعض رؤوس الماشية ونشتري بثمنها بعض الدقيق والزيت والسكر والشاي وشيء من الخضر، وهكذا على الدوام. أما العيش على اللحم فمعناه القضاء على مصدر رزقنا أمام حالة الجفاف الرهيبة التي تجتاح الصحراء منذ سنوات. إن أكثر البدو الرحل الفقراء أمثالنا لا يتذوقون اللحم سوى في عيد الأضحى أو بعض المناسبات الأخرى القليلة مثل الختان أو الزفاف.. أحيانا نضطر لبيع بعض مواشينا لشراء الأعلاف، من أجل أن تعيش بقية المواشي ولا تموت بسبب انعدام الكلأ جراء الجفاف الطاحن، كما نلجأ لاستهلاك النخالة الموجهة للمواشي لنعوض بها المؤونة الغذائية التي تنفد"، ثم أكد "تُبعث فينا الحياة من جديد عندما تزورنا قوافل الإغاثة الخيرية بما تحمله إلينا من دواء وغذاء وكساء، فسألته هل يمرّ عليكم المهربون؟ فأجاب "نحن لا نفرق بين أحد منهم.. من يمنحنا الغذاء والدواء والكساء ندعو الله له بالخير ولا نسأل من هو ولا من أين جاء ولا عن اتجاهه.

 

عن "الخبر" الجزائرية بتصرف