السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى آيت علال :الزعيم الأممي" بين قاموسي السياسة والعواطف الجياشة

مصطفى آيت علال :الزعيم الأممي" بين قاموسي السياسة والعواطف الجياشة مصطفى آيت علال
الحب الأعمى هو أن تسقط في انجذاب عاطفي لا حدود له من دون إدراك عيوب المعشوق ، ولا الاعتراف بها حتى وإن كانت مكشوفة. وتقاوم بشراسة كل منتقد أو ناصح مهما كانت ملاحظاته صادقة وواضحة .
هو أن تنشغل بتنميق صورة المعشوق حتى وإن رفضها الواقع والصور البلاغية. وتضعها في ذلك الركن الذي لا يخصص إلا للآلهة.
هو أن تتنكر لكل الأخوة والأصدقاء وتتناسى محبتهم وتقديرهم وتضحياتهم اتجاهك لمجرد انهم أبدوا رأيا مخالفا لرأيك نحو المعشوق.
هو أن تعيش توثرا داخليا تفجره في وجه المنتقدين بالغضب والعنف والازدراء. وتتحول إلى سياف يضرب بعشوائية وفي كل الاتجاهات إلا في اتجاه من زكى حبك الأعمى.
مع ذلك فالمجتمع بأكمله يتفهم هذا العمى ويسامحك بالقول "لهلا يطيح حبك على حجرة" لأنه يعرف جيدا أن الحب في مجال العواطف لا يخضع للمنطق.
في مجال العواطف، الحب لا يخضع للمنطق، لكن في مجال السياسة الأمر مختلف تماما. بل حتى إطلاق صفة الحب أو المحبة غير وارد في قاموسها. فيمكنك أن تكون مؤيدا أو مساندا لشخص أو مجموعة أشخاص لكن على أساس المواقف والبرامج والانجازات التي قدموها،وليس محبا على أساس الميولات العاطفية.فتنجذب على أساس المظهر أو رقة اللسان أو لمسة على الرأس.
ستساند أو تؤيد أهل السياسة من يكون متفهما ومتجاوبا مع مشاكلك وطموحاتك بصفتك كمواطن في مجالات التعليم والصحة والتكوين والتشغيل واحتياجاتك الأساسية. وليس بصفتك كعاشق مصاب بالهيام.
والحكم على أداء أهل السياسة يكون بصفتين هما النجاح أو الفشل وليس بمقاييس العواطف أو الأخلاق.من قبيل التقوى والنقاء والصفاء والحسن والجمال.
من يخلط بين العاطفة والسياسة كمن يخلط بين الماء والزيت. ويعتقد أن الاندماج حاصل بينهما. والحال أن الكل يشاهد الثاني يطفو فوق الأول مهما تكرر الاختلاط.
هذا هو حال من جعلوا المعشوق "زعيما أمميا" ، في لحظة كانوا يرون ان التعبير الرقيق ضروريا لرفع معنويات المحبين والاعتراف بمكانة الحب . لكن اللحظة في حقيقتها كانت سياسية وكانت تحتاج إلى القاموس السياسي المناسب للتعبير عن فشل الزعيم أو نجاحه في اوراش" الإصلاح " التي أسندت له طيلة ولايته الفائتة ولرفيقه في الولاية الحالية .
قد يكون الاندفاع العاطفي للشباب هو من جعل اللحظة تجيش بالعواطف ، وقد يكون التكوين السياسي للشباب في حاجة إلى توجيه وتقوية لكن ان يرفع كهول الحزب وشيوخه نفس الشعار ويدافعون عنه ، فإننا نكون إزاء ظاهرة حزبية تتداخل فيها العواطف بالسياسة كما تداخلت من زمان السياسة بالدين.
هذا التداخل بين العواطف والسياسة والمترسخ بقوة عند الكثير من عشاق" الزعيم الاممي" هو الذي جعلهم يقطعون صلتهم الإنسانية بالأصوات المنتقدة لأدائه حتى ولو كانوا من أصدقائهم وزملائهم وجيرانهم. بل وينعتونهم بأحط الأوصاف ويدبرون في كيفية معاقبتهم.
وأتذكر أن بعض العشاق قرروا سنة 2011 في اجتماع تنظيمي لهم مقاضاة زميل لهم في العمل عندما جاءهم خبر انتقاده لمعشوقهم.
فتناسوا كل روابط الزمالة و الإنسانية سعيا لنيل رضا الحبيب . ومس البعض الآخر بأعراض المنتقدين ومازالوا يمارسون كل أشكال النعوت الحاطة بالكرامة في تناقض صارخ مع المرجعية التي يدعون الدفاع عنها وهي الدين.
فلقد ضحى الكثير من العشاق بالقيم الدينية والروابط الإنسانية وتمسكوا بحبل الحب الأعمى. وأصبح هاجسهم هو حماية الزعيم بكل الأشكال الممكنة حتى ولو بالمديح الذي يرفعه إلى مصاف زعماء الأمم.
عندما يفصل أي حزب بين الأحاسيس العاطفية والمواقف السياسية يمكن أن نصنع زعماء حقيقيين،هم زعماء للمغاربة ،وعندما يمتد إشعاع نضالاتهم إلى باقي شعوب العالم ويحتضنون قضاياهم آنذاك يمكن أن نقتنع بالزعامة الاممية التي تنطق بها الشعوب وليس بلسان من أصابهم الحب الأعمى.
                                                                       الأستاذ مصطفى آيت علال، فاعل المدني