ما علاقة اغتيال الشهيد عمر بنجلون، بالمدرسة العمومية؟ واين يسير قطار التعليم في بلادنا؟ هل صحيح ان كل القرارات التي اتخذت في التعليم كانت مرتبطة بصراعات سياسية؟ لماذا تطرح اليوم فكرة تنويع مصادر تمويل قطاع التعليم؟ ما السبيل لتشكيل سلطة مضادة لمواجهة ما يحاك للمدرسة العمومية؟ ماذا يريد النظام السياسي من التعليم؟وهل صحيح أن الجودة هي المدخل الحقيقي لإصلاح التعليم؟ اسئلة كثيرة فككتها ّخلية" خبراء اليسار الديمقراطي خلال ندوة " التعليم في المغرب إلى أين...؟ "، التي نظمتها الكتابة الجهوية لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي زوال يوم السبت 17 دجنبر 2016، تخليدا لذكرى اغتيال الشهيد عمر بن جلون.
قد يعتقد البعض أن ربط جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون، بالجريمة التي تقع الآن في حق المدرسة العمومية، نوع من "إسقاط الطائرات" وتضخيم لقضية اجتماعية مع قضية سياسية مرتبطة بالاغتيال السياسي، لكن في نظر عبد الغني عارف، عضو اللجنة المركزية لحزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي، فالجريمتان متشابهتان، لأن الجامع بين اغتيال الشهيد عمر بالأمس، ومحاولة ذبح المدرسة العمومية اليوم واحد، لأن بنجلون لم يغتل -يضيف عارف- لكونه مناضلا وزعيما سياسيا، بل لأنه كان يحمل فكرا متنورا، والفكر هو العدو الأكبر للإستبداد، فبنجلون كان مفكرا ومنظرا وهذا ما يخاف منه المستبدون وصناع الظلام والجهال الذين يبنون أمجادهم على الخرافة وعلى الغيبيات.
واعتبر القيادي في حزب الطليعة، خلال مداخلته أن استحضار ذكرى الشهيد بنجلون اليوم،من خلال حال ومآل المدرسة المغربية،يفرض علينا أن نقوم بتمرين فكري وأن نعمل النظر في مختلف القضايا المطروحة علينا، فاليوم لحل ملف التعليم لا يكفي أن تكون لدينا مواقف وشعارات، بل لابد من شحد الفكر والذكاء الجماعي من أجل تقديم أجوبة حقيقة عن اسئلة المرحلة. لاسيما أن كل القرارات التي إتخذت سابقا أو تتخذ اليوم في الملف التعليم هي مرتبطة بالصراعات السائدة داخل المجتمع، وأن النقاش الدائر اليوم حول مجانية التعليم ما هي سوى النقطة التي افاضت كأس التفكير والحديث عن قضايا التربية والتكوين قائلا " أستغرب كيف يتم طرح موضوع التمويل والقطاع يعيش مشاكل بنيوية وكارثية".
يعتقد عبد الغني عارف، أن ما يطرح اليوم من محاولات تفكيك المدرسة العمومية ليس جديدا،من حيث الشكل والموضوع، بل الجديد هو الشكل المؤسساتي الذي يراد به تمرير مثل هذه القرارات، وأن هيكلة النظام التربوي المغربي يكرس التفاوتات الثقافية والاجتماعية، وأن ما نعيشه اليوم ليس جديدا ربما السياقات تختلف لكن الجوهر يبقى تابثا، فنحن اليوم نعيش إمتدادا موضوعيا لإختيارات مقصودة ومبرمجة في مجال التعليم وتمتد لسنوات الحماية.
واختتم المحاضر مداخلته بتوجيه الدعوة للمناضلين التقدميين الدمقراطيين اليساريين،بأن ينتبهوا لما يحاك للمدرسة العمومية وأن يتجنبوا السقوط في الفخ وأن لا يظلوا محصوروا الحركة فقط داخل ما يخطط لهم. بل يجب فتح ملفات أخرى مرتبطة بالتعليم وأن المجانية هي معركة واحدة في حرب إصلاح التعليم الطويلة، وجرد عارف مجموعة المعارك يجب فتحها اليوم : كمعركة تجويد خدمات المدرسة العمومية وتحسين شروط الممارسة التربوية، ومعركة محاسبة المسؤول عن ما وصل إليه التعليم اليوم، ومعركة ضد أي مساس بالحق في التعليم....
بالنسبة لـعلال بنلعربي، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الإتحادي، فقد تكحورت مداخلته حول فكرة رئيسية وهي " أن كل من يغتال العقل، سيغتال بالعقل"، وأن الهجوم الذي تتعرض له المدرسة العمومية يجب أن يواجه بقوة مضادة الذي تحمل مشعلها حركة اليسار والحركة النقابية التقدمية لأنها هي التي تعي تطور المجتمع، واتهم بنلعربي، الدولة باغتيال الفكر العقلاني وساهمت مساهمة قوية في نشر الفكر ألاعقلاني، والدولة هي التي دعمت الحركات الاعقلانية، وشجعت ما سمته بالدراسات الإسلامية،وإغتيال الثقافة التي تؤسس للفكر السياسي النقدي.
وجرد بنلعربي، خلال مداخلته مجموعة من اللأرقام والمعطيات والحجج من خلال محورين إثنين المحور الأول مرتبط بأزمة الإصلاح بالمغرب، من خلال طرح سؤال جوهري: هل الدولة عاجزة عن إصلاح التعليم؟ بالنسبة للقيادي الكونفدرالي، فإن الدولة تتوفر على كل الإمكانيات والوسائل لإصلاح التعليم لكنها لا تريد الإصلاح، وهنا يشهر بنلعربي، سؤال آخرا هو : ماذا يريد النظام السياسي في المغرب؟ ويجيب المحاضر بأن الجواب على هذا السؤال يتظح جليا من خلال علاقة النظام السياسي بالتعليم. وأن ما نعاني منه هو غياب الإرادة السياسية لإصلاح التعليم. أو كما يقول العروي الاقتناع بنجاعة الإصلاح. فالدولة في مجملها يضيف بنلعربي، ليس في بنية تفكيرها السياسي أي مفهوم للإصلاح.
واعتبر الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، في محوره الثاني أن هناك أسباب تاريخية لأزمة التعليم وأن ما تتخبط فيه اليوم المدرسة العمومية تمتد جذوره لسنوات بداية الاستقلال، وأن كل هذا يحيلنا على خلاصة وحيدة وهي: أن الأسباب العميقة التي أدت إلى الأزمة التعليمية لا يمكن أن تخرج عن عامل اساسي هو ربط النظام التعليمي بالنظام السياسي،وأن هذا الأخير مسؤول عن الازمة التعليمية.
كاشفا في ختام مداخلته، أن إرادة الإصلاح غير موجودة لدى الدولة اليوم وهو ما تأكد حسب قوله، من خلال الدخول المدرسي الحالي (الاكتظاظ ما بين50 و70 تلميذ في الفصل)، ومن خلال عدد المناصب المخصصة في القانون المالي 2017، خصاص بنيوي في هيأة التدريس 30 ألف خلال سنة 2016، وأن ما بين 2014 و2020، سيغادر المنظومة التربوية 100 ألف رجل تعليم. ومن خلال ما حدث داخل المجلس الأعلى للتربية والتكوين.
أما عبد اللطيف اليوسفي، عضو المجلس الوطني لحزب الإشتراكي الموحد، والإطار التربوي، فقد أبحر خلال مداخلته في المحطات التي مر منها قطار اصلاح التعليم في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، مدافعا عن فكرة أن تاريخ الصراع السياسي بالمغرب تجسد من خلال الصراع حول المسألة التعليمية وكلما حدث توافق في المسائل السياسية، يقابله توافق في المسألة التعليمية. مستنتجا ان الصراع حول المسألة التعليمية لن يقف،إلا أن نصل لمشروع مجتمعي متفق عليه.
ففي نظر اليوسفي، أن جوهر المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يتخبط فيها المغرب، تعود بالاساس إلى غياب مشروع مجتمعي متفق عليه من طرف الجميع، وأنه لو لم يكن التعليم مجانيا وبتلك الطريقة التي كانت وعلى علاتها ما كان كثير منا سيقرأ.
وأبرز الإطار التربوي، أنه واهم من يعتقد أنه قادر على إصلاح قطاعا دون قطاع،كاشفا على أن الفكرة التي تم طرحها على انظار عبد الرحمان اليوسفي في 98، تؤكد أن المعالجة الجزئية للقضايا لا يمكن أن تؤدي إلى نتائج، وأن المعالجة الشمولية التي مدخلها إصلاح دستوري وسياسي هي الجوهر.