الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: من وحي زيارة الحسيمة، بطعم الحراك!

محمد المرابط: من وحي زيارة الحسيمة، بطعم الحراك! محمد المرابط

زيارتي للحسيمة في سياق تجسيد دعوتي للآخرين بزيارتها هذا الصيف، كانت مناسبة لاستبطان داخلي، أقرأ فيما وراء هذا الإقبال السياحي اللافت، في حدود مشاهداتي، من رأس سيدي ادريس بتمسمان إلى قوس قزح ببني بوفراح، برمزية زيارة صاحب الأمر للحسيمة، ليس فحسب الأثر الاقتصادي، بل حتى إمكانية التطبيع السياسي بالمنطقة.

زيارتي إلى جانب بعدها الروحي وأنا أزور قبر مولاي أحمد الريسوني بتماسينت، وأضرحة سيدي يوسف وسيدي امحند "الجبار" وسيدي بوطاهر، بزاوية سيدي يوسف، هي لحظة تأمل عميق في تفاعلات المحيط، ومشربي الصوفي والسياسي يجعلني منشغلا رغما عني بمنظومة الرموز والإشارات، الثاوية في تعاقب الأحداث، في دلالاتها، وتمثلاتها في بنية التلقي، وخصوصا تلك التي تربط علاقة صاحب الأمر بالمجال العام، في هذه الظرفية من عمر الحراك. وهذا المستوى سأفرد له مادة خاصة حفاظا على جذوة الأمل بالرغم من كل التوجسات.

هذه الزيارة جعلتني ألتفت إلى الذات، كيف أنني كنت منشغلا بقضايا التدافع الفكري في البلاد، لأجد نفسي أنزلق بالتدريج إلى الخوض في موضوع جزئي يهم جغرافية معينة، حتى وهو منفتح على المشرط السياسي بامتياز. هكذا وجدت نفسي في حراك الريف سالكا ومجذوبا. من جهة انتقلت فيه سالكا من مقام الهندسة الإعلامية مع الأخ الأستاذ عبد الرحيم أريري، المواكبة للحراك في مستوى الفعل الميداني بشخوصه، والتمثلات الفكرية والسياسية والحقوقية لهذا الفعل،ثم الانتقال إلى الكتابة باسم موحند أيت يوسف وعري، من منطلق الحرص على تكريس ثقافة الالتقاء على الأفكار وليس الأشخاص، ثم الكتابة باسمي الكامل،لما تم التقاط الاسم السابق على غير مورده، ثم بعد ذلك الانعطاف بالانخراط في المبادرات المدنية المختصرة تداوليا في اسمي الدكتور محمد النشناش والدكتور عبد الوهاب التدموري من أجل الحل السياسي لملف الحراك، ثم أخيرا كسر عادة زياراتي السابقة للحسيمة، بفتح هوامش للتواصل الإنساني بطعم الحراك، فكان اللقاء باعزي أحمد الزفزافي،والأستاذ جمال الخطابي منسق فيدرالية فرنسا للجن دعم الحراك والأستاذين جمال ومحمد أمزيان نجلي زعيم انتفاضة جبهة النهضة الريفية، والأستاذ مصطفى أعراب من هولاندا،صاحب المؤلف الشهير" الريف، بين القصر وجيش التحرير وحزب الاستقلال"،وكذا الأساتذة سي أحمد المرابط آخر أسانيد الرواية عن مولاي موحند من موقع الالتزام النضالي،وفريد الحمديوي، وسفيان الحتاش، وهذا ملمح من إيجابيات الحراك وهو يمتن الروابط الإنسانية على الأقل بين نخبة الريف.

من جهة أخرى وجدت نفسي مجذوبا، أنهل من سدرة المنتهى للزعامة الروحية لإمرابضن في قبيلة بني ورياغل،بمشربها الشاذلي المشيشي، وبالمزاج "الحاد" لهذه القبيلة الكبرى بالريف الأوسط، ونزوعها للزعامة، تارة بعقل استراتيجي جامع، وأحايين أخرى بدرجة الصفر في السياسة.فكتاباتي تنهل من هذا التشكيل الفريد في خصوصيته، وهو ينضاف إليه زخم رافد انحدار الأم -رحمة الله على الجميع-من قبيلة أنجرة، وبما تجسده هذه النسبة الطينية في الشمال من المصالحة بين الريف واجبالة. فهناك انصهار بشري عميق في المغرب يستعصي على دعاة التنميط الشوفيني.

بهذا المنهاج في الترقي وأنا سالك،وفي التدلي وأنا مجذوب،قاربت موضوع الحراك،لكن بأحاسيس تماهي/تفاعل الذات والموضوع ،فمنطق علاقات قبيلة أيت ورياغل وإمرابضن وشبكة المصاهرات كما قلت في مناسبات سابقة، تجعلني ضمن المتابعين في سجن عكاشة، وقد انضاف مؤخرا أحد أبناء عمومة المرحوم والدي، إلى قافلة المعتقلين بالحكم عليه سنتين ونصف سجنا.

هذه الميزة في الامتداد المجالي و"الزعامة" الروحية والقبلية، والامتداد "الجيني" فيما وراء القضبان، والالتزام بأفق المدرسة الاتحادية التي احتضنت المشروع التحرري التحديثي لمولاي موحند، والنظر لعلاقة المخزن/السلطة، بالقبائل والجهات بالتخصصات الفكرية للأساتذة عبدالله العروي والمختار الهراس، وعبد اللطيف حسني، وأنظر إلى"العرق والتاريخ" بمنظار الأنتروبولوجي ليفي شتراوس، كل هذا يجعل التعاطي مع موضوع الحراك، غير مقبول باعتداله، سواء من طرف "غلاة" المخزن المراهنين على مقاربة كسر العظام، أو من "غلاة" الحراك المراهنين على أسلوب التأزيم/الهدم، فكان أن مسني تخوين عبد الغني اعبابو وعبد الصادق بوجيبار، ويوبا الغديوي، وإن كان بوجيبار في لحظة صحوة النقد الذاتي لديه، عتبر أن كثرة التخوين البيني (بين الريفيين) جعلت الجميع خونة بما فيهم هو.

ما وجدت نفسي عليه من استدراج في موضوع الحراك بحكم الانتماء،لا أستبعد فيه حالات لأسماء أخرى،يمكن أن تبوح بتجربتها، فما بالنا بمن هم منشغلون في الأصل بموضوع الريف. وحسب علمي فإن الدكتور عبد الوهاب التدموري، المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، عقب عودته من عطلة قصيرة بالخارج،سيحج للحسيمة للقاء جانب من الغعاليات الريفية بالخارج،ولتوسيع قاعدة المشاركة في المبادرات المدنية من أجل الحل السياسي لملف الحراك.

وبهذا الاعتبار، وبهذا الإصرار، فأنا متفائل. ولن نسأم من دعاء الخير!