السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي:تحالف استراتيجي جديد في الشرق الأوسط ..المكونات أمريكية والنكهة عربية

عبد القادر زاوي:تحالف استراتيجي جديد في الشرق الأوسط ..المكونات أمريكية والنكهة عربية عبد القادر زاوي
بعيدا عن الصخب المعتاد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر تغريداته في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وعلى نار هادئة، وفي الكواليس الدبلوماسية تستعد الإدارة الأمريكية لبناء ما أسمته إعلاميا بالتحالف الأمريكي العربي، الذي قد يعلن عن ميلاده في قمة ستحتضنها واشنطن يومي 12 و13 أكتوبر المقبل بحضور قادة دول الخليج الست إضافة إلى مصر والأردن.
وحسب التسريبات الصحفية على قلتها، فإن هذا التحالف سيسمى تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، وأن الغاية منه هي مواجهة إيران وتمددها المتواصل في المنطقة سواء مباشرة من خلال مؤسسة الحرس الثوري أو من خلال أذرعها المحلية في عدد من الدول العربية المصنف بعضها كتنظيمات إرهابية، فضلا عن إرساء ما قيل إنها أسس للسلام في الشرق الأوسط.
ويتضح من التسمية الإعلامية التي يروج بها لهذا التحالف "ناتو عربي" أنه سيكون ذا طابع دفاعي في المقام الأول مرتكز على نشر درع صاروخية في المنطقة، وعلى تبادل تقديم الخدمات اللوجيستية والتدريبية والتسليحية، وتكثيف التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب، الذي يشمل مفهومه هذه المرة الميليشيات الشيعية الدائرة في فلك طهران مثل حزب الله اللبناني.
وحسب معلومات مستقاة مباشرة من بعض الخبراء المعنيين بالتحضير لإحداث هذا التحالف، فإن الحرص على تشبيهه بحلف الناتو نابع من سعي دؤوب في الكواليس لتضمينه بندا ينص على أن أي هجوم أجنبي على أحد أطرافه سيعد هجوما على كل الأطراف.
إن شح التسريبات الإعلامية عن التحالف الذي يوجد الآن في مرحلة المخاض، وغياب تصريحات رسمية بشأنه، وخاصة من الأطراف العربية جعله يبدو محل ارتياب أكثر منه محل ترحاب، تتناسل حوله العديد من التساؤلات وتطرح بشأنه الكثير من علامات الاستفهام، بعضها موضوعي والبعض الآخر لأغراض متباينة حسب توجهات طارحي التساؤلات وأصحاب علامات الاستفهام.
ومن متابعة المعلومات التي تروج عن هذا التحالف رغم قلتها يبدو أن أكثر التساؤلات ترديدا هي تلك المتعلقة بدور ما لإسرائيل في هذا التحالف، خاصة وأن اسمه الرسمي لا يستبعد مثل هذا الدور، وأنه في مقابل صمت الجانب العربي حيال هذا الأمر، لا تتوانى الإدارة الأمريكية عن تسريب أخبار بين الفينة والأخرى تفيد بأن إسرائيل ستكون وثيقة الصلة بالتحالف عبر تبادل الدعم اللوجيستي والمعلومات الاستخباراتية من دون أن تكون طرفا رسميا فيه.
وغير خاف على أحد أن هذا المسعى ينسجم مع التوجهات المعلنة لإدارة الرئيس ترامب التي لم تخف أبدا ومنذ دخولها البيت الأبيض أن كل تحركاتها في أرجاء المنطقة العربية تجري بتنسيق مع الدولة العبرية، ولفائدة مصالح هذه الأخيرة دون أي اعتبار لمخاوف الآخرين وانشغالاتهم ؛ الأمر الذي حدا ببعض المراقبين إلى التنبيه لخطورة تمرير صفقة القرن الخاصة بتصفية أو بتسوية القضية الفلسطينية من خلال إبرام هذا التحالف.
إن لحضور المعطى الإسرائيلي في كواليس معادلة بناء التحالف دور كبير في عدم إبداء كل من مصر والأردن أي حماسة تذكر لهذا الموضوع خلافا لبعض دول مجلس التعاون الخليجي. فالقاهرة لم تحسم لحد الساعة موقفها الحقيقي والإشارات الصادرة عنها تتأرجح بين الإعراب عن اعتبار أمن الخليج جزءا من أمنها، وبين عدم مسايرة الدول الخليجية في إدانة ما تسميه هذه الأخيرة الروح العدوانية لإيران، بل إن مصر تعاكس موقف بعض دول الخليج فيما تقوم به من انفتاح على نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق، وعدم التنديد بالتواجد العسكري الإيراني الكبير على الأراضي السورية.
أما الأردن فيعيش حالة قلق كبير على وقع ما يتسرب من معلومات عن ارتباط وثيق بين الحلف المزمع إنشاؤه وصفقة القرن التي يعتقد أنه سيكون هو ثاني أكبر ضحية لها بعد الشعب الفلسطيني. فإذا ما تم إقرار هذه الصفقة، فإن عمان ترى في ذلك إقبارا نهائيا لحق عودة اللاجئين، ووأدا كاملا لما يسمى حل الدولتين، الذي يعني تلقائيا إحياء مفهوم الوطن البديل، وما يشكله من ضغوطات اقتصادية واجتماعية تهدد الهوية الأردنية والنظام الهاشمي نفسه.
والواضح أن الدعم الخليجي المعلن عنه مؤخرا بمبلغ 2,5 مليار دولار لم يكن كافيا لتبديد هواجس الأردنيين مما يعتقدون أنه يحاك ضدهم. ولذلك ارتفعت أصوات عدة تطالب الحكومة بالعمل على تنويع اختياراتها وتحالفاتها، والانفتاح على أقطاب دولية وإقليمية جديدة كروسيا والصين ولم لا إيران والنظام السوري نفسه.
ولا يعكس علو نبرة حماس بعض دول الخليج لقيام هذا التحالف الحقيقة كما هي على أرض الواقع وليس كما يراد لها أن تكون. فإذا كانت السعودية والإمارات والبحرين تؤكد على ضرورة قيام التحالف انطلاقا من اعتبارها أن إيران تشكل عدوا مشتركا، شرسا وخطرا يهدد بالفعل والقول أمن دول المنطقة واستقرارها، وكذا سلامة الملاحة البحرية وممرات التجارة الدولية فيها ؛ فإن سلطنة عمان والكويت وقطر ليست لها نفس النظرة لإيران مع وجود اختلاف في مواقفها هي أيضا من إنشاء هذا التحالف.
هكذا تبدو مسقط معنية أكثر بإيجاد صيغة لاستئناف التفاوض الأمريكي الإيراني من جديد ونزع فتيل التوتر بينهما مستندة إلى نجاح مساعي مماثلة قامت بها في السابق، فيما ترفض الكويت معاداة إيران صراحة لاعتبارات عدة تتعلق بالجوار الجغرافي والتماس الحاصل بينهما من خلال الساحة العراقية، بينما ترى قطر أن هذا التحالف المزمع إنشاؤه قادر على منع تدهور الأزمة القائمة بينها وبين كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر واحتوائها نظرا لصعوبة التوصل إلى مصالحة فعلية، ولكنها تأمل ولو بشكل غير مباشر أن يكون تواجدها مع الدول المقاطعة لها في محفل واحد مقدمة لكسر الجمود الذي يعتري هذه الأزمة.
ورغم كل الكوابح الإقليمية التي قد تمنع بروز هذا التحالف، ومن بينها عدم الحديث لا من قريب ولا من بعيد عن ضم أطراف عربية أخرى بعيدة عن المنطقة كما جرت العادة مثل المغرب أو السودان فإن معظم الأسباب التي قد تئد هذا الحلف في المهد أو تجعله يخرج إلى الوجود مشوها ومعوقا تكمن في مواقف الإدارة الأمريكية نفسها.
إن انقلاب موقف الرئيس ترامب إزاء إيران من النقيض إلى النقيض في ظرف أسبوع واحد يلقي بظلال من الشك حول حقيقة الموقف الأمريكي فبعد التهديد والوعيد بإلحاق الأذى بإيران من خلال فرض عقوبات جديدة، وحظر استيراد نفطها كليا مع مطلع نونبر المقبل عاد للحديث عن استعداده للحوار معها.
إن الموقف الأمريكي المعلن من إيران يستهدف تحقيق واحد من طرفي معادلة غاية في الخطورة تتمثل إما في إرغام نظام الملالي على تغيير سلوكه أو حفز الشعب الإيراني على تغيير نظامه . ومثل هذا الهدف يتطلب في الحالة الإيرانية استراتيجية متدرجة طويلة الأمد والنفس تبدأ بالاحتواء وتنتهي بالتدخل العسكري عند الاقتضاء. وفي كل المراحل لا بد من حشد دعم قوي من الشركاء الإقليميين والدوليين على حد سواء.
وبالنظر إلى المعطيات الدولية والإقليمية الراهنة يتضح أن الرؤية الأمريكية التي تعطي الانطباع بأنها حاسمة فيما يتعلق بفرض العزلة على طهران وزيادة الضغوط عليها تفتقد كثيرا للدعم الدولي المطلوب. فالإدارة الأمريكية بسلوكها المتعجرف بدلا من تكتيل القوى الغربية حولها أحدثت شرخا عميقا معها بشكل جعل الدول الأوروبية ترفض مسايرة خطوات واشنطن سواء في انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي أو في معظم العقوبات الاقتصادية والمالية التي بدأت تنفيذها.
فهل سيمثل بناء تحالف شرق أوسطي جديد بمظلة أمريكية ونكهة عربية محاولة لتدارك بعض من الدعم الدولي المطلوب لعزل إيران وإعادتها إلى حجمها الطبيعي في المنطقة ؟
عديدة تحوم حول ذلك، بعضها من التاريخ وبعضها من معطيات الواقع، وتلكم قصة أخرى.