حين تقفل أبواب الأمل وتضيع الذات باحثة عن نفسها، وترفع يديها توسلا بتعجيل موعد الموت. هو حقيقة عالم ميؤوس منه، عالم يعتقد أنه لا يستحق أن يعاش، عالم ضاعت فيه القدرات وسط أحاسيس مدمرة بنظرة سوداوية لا ترى حتى فيما هو جميل إلا قبحا.
نظرة يائسة من وضع يبدو أنه ميؤوس منه، نظرة قاتلة لكل القيم الجمالية والأخلاقية، نظرة تعكس خجل الذات من نفسها ومن أخطائها والوقوف عندها دون أية محاولة للتغيير. ولم التغيير وهي فريسة لليأس والاستسلام والانهزام ؟
أقفلت أبواب الأمل لتصبح الذات سجينة لليأس الفردي، وإن كنا نتكلم عن إمكانية التعاطف، لكن يبقى من يعيش مرارة اليأس حكيما في الحديث عنه.
ولأننا كائنات تبريرية سيستفيض العقل في التحليل والمناقشة، بل والتبرير لوضعية يائسة، والحقيقة قد تكون نفس الأوضاع خلقت من شخصيات بارزة غيرت التاريخ الإنساني بالقدرة على التعالي والتجاوز.
تتفاقم المأساة عندما يقع اليائس في لحظة غضب، فتزداد قوته الانفعالية وتتدفق طاقته بلا حساب، ويفقد الجسد توازنه ليصبح عرضة للتهور، حينها تنطلق الطاقة المدمرة لتوقع صاحبها في نوع من التمرد والعصيان، هي طاقة تتحدى الزمان والمكان بل كل القوانين الوضعية.
يضع اليائس إذن، قانونا خاصا به وكأن المطلوب أن تساير الجماعة القوانين الفردية وليس العكس. فهل هو عصيان أم إثبات وجود، كوجود ساخط على الأوضاع خصوصا عندما ينعدم جسر التواصل؟
قد يبدو أن إثبات الوجود لا يأتي فقط إلا بتغيير خارجي دون المطالبة بالتغيير الداخلي، وهي مفارقة تخفي في الواقع مونولوجا داخليا يقول أنا مفعول بي ولستفاعلا. وكأن المطالبة بتغير الأوضاع لا تسير بشكل مواز لتغيير الذات. أفلا يحق إذن، أن أكون أنا التغيير الذي أنشده؟ أم أننا نرتاح بتحليل الأوضاع المزرية تعطي كل المشروعية لحالة اليأس وتزيد من حدته ليزداد مرارة؟
عموما يبدو واضحا أن صنع الإنسان والانشغال ببناء الذات، مشروعا لا يقل أهمية عن باقي المشاريع التنموية الأخرى، والرقي بالإنسان يسير بشكل مواز لأوضاعه من أجل وضع اجتماعي راق، يوازن فيه الإنسان بين الحديث عن الحقوق والواجبات في إطار تعاقدي من أجل مواطن صالح لنفسه ولبلده.