من الصعب التكهن بطبيعة الشخص الذي سيدخل البيت الأبيض يوم العشرين من يناير 2017 كرئيس للولايات المتحدة، هل دونالد ترامب المرشح الذي لا يعير اهتماما لما يقوله أو ما يفعله، أم سيكون ثقل المهمة وخطورتها قد ترسخ، ولو نسبيا في ذهن الرئيس الجديد؟
صعوبة ذلك التكهن قد تطال قضايا داخلية وخارجية كثيرة من عزمه بناء الجدار مع المكسيك أو ترحيل أكثر من أحد عشر مليون مقيم غير قانوني الى الجدوى من حلف شمال الأطلسي لأن المرشح أدلى بأكثر من تصريح حول تلك القضايا وكانت تصريحات متضاربة مع بعضها.
لكن توجد بعض المؤشرات التي قد تساعد على التنبؤ بطبيعة العلاقة التي ستربط الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة والحركات الاسلامية في العالم العربي ليس عن طريق تصريحاته المثيرة للجدل فحسب، بل أيضا من خلال من اختارهم كمستشارين خلال حملته الانتخابية أو من اختارهم حتى الان لمساعدته على تطبيق تلك السياسات على الارض.
دونالد ترامب من مشاهير الأمريكيين -وقبل أن يدخل معترك السياسة بعقود- من الذين يحملون كراهية مجانية للعرب والمسلمين حتى قبل الحادي عشر من شتنبر. وأذكر هوسه بالسعودية والسعوديين في الثمانينيات من القرن الماضي حينما كان يحذر بمناسبة وبغيرها من «خطر» شراء السعودية لكل ممتلكات ومباني أمريكا.
هذه النظرة الجاهلة والسطحية -من رجل يعرف عنه عدم حبه للقراءة- تعمقت مع أحداث الحادي عشر من شتنبر وازدادت حدة أثناء الانتخابات التي تزامنت مع عمليات إرهابية في أوربا وداخل الولايات المتحدة.
المرشح الجمهوري المثير للجدل استعان أيضا ببعض «المستشارين» العرب المعروفين بعدائهم إما للحركات الاسلامية أو للإسلام والمسلمين كلهم.
اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب الأولية لبعض كبار مساعديه الحكوميين تحمل على الاعتقاد بأنه يعتزم الذهاب بالمواجهة مع «الإسلاميين» إلى أقصاها أثناء حكمه بعد اختياره السناتور جيف سيشون لوزارة العدل المعروف بعدائه لاستقبال المهاجرين المسلمين، والجنرال المتقاعد مايكل فلين كمستشار للأمن القومي الذي شبه الاسلام بالسرطان، والنائب مايكل بومبيرو كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية الذي أعرب عن الاعتقاد بأن كل مسلم لا يدين الارهاب يعد ضالعا فيه، حسب تعبيره.
يبدو أن العقلية والرجال والخطاب عناصر مهيأة لمواجهة غير مسبوقة بين أمريكا وهذا التيار، كما أن جميع أساليب المواجهة مطروحة على الطاولة من السلاح النووي إلى التعذيب إلى قتل أهل المشتبه فيهم، إذا صدقنا تصريحات المرشح الجمهوري خلال الانتخابات وكبار مساعديه السابقين والحاليين.
الحديث عن «حكم المؤسسات» الذي يغلب على أدبيات الصحافة العربية أثناء حديثها عن أمريكا لا ينطبق هنا، لأن الرجل يملأ البيروقراطية الضخمة بأشخاص يحملون نفس تفكيره، كما أن مؤسسة الحزب الجمهوري التقليدية قد تخلت عنه منذ الانتخابات ولن يجد أمثال جيمس بيكر وبرنت سكوكوروفت لنصحه أو كبح جماحه.
لكن الواقع على الأرض سيكون أكبر صدمة للمحاربين الجدد بسبب أميتهم بالمنطقة وبخلطهم الفظيع بين داعش والعدالة والتنمية التركي، بل عدم التفريق بين الجماعات المتطرفة وباقي المسلمين في كل أصقاع الأرض، بما في ذلك امريكا.
سيكتشف الرئيس دونالد ترامب أن مواجهته مع داعش التي ستأخذ مركز الصدارة لن تحرز تقدما إذا أصر هو ومساعدوه على الاستهجان بالمعتقد الديني لرفاق السلاح سواء في العراق أو سوريا من الجيش العراقي النظامي ونظيره التركي إلى الميلشيات السورية والكردية.
كما أن الإرهاق الذي يعاني منه الشعب الامريكي بمن فيه القواعد الانتخابية التي أوصلته الى الحكم من أي مغامرات عسكرية جديدة خاصة في الشرق الأوسط ستحد من قدرته على توسيع المعركة حتى مع داعش.
ومن المنتظر أن تجد إدارة ترامب نفسها مضطرة لتغيير خطابها أو التخفيف منه على الاقل لأسباب استراتيجية وتكتيكية إن لم تكن لأسباب أكاديمية واخلاقية لأنها لا تريد أن تغرق في رمال المنطقة مرة اخرى.
ومن غير المستبعد أن تجد حكومة دونالد ترامب نفسها تحارب داعش وأخواتها بأقل تكلفة أمريكية ممكنة والتعامل مع حركات الاسلام السياسي المعتدل ببراغماتية رجال الاعمال وتغليب منطق الربح والخسارة بعيدا عن التعصب الديني أو الانغلاق الايديولوجي.
لكن تتعين الإشارة إلى أن دونالد ترامب قلب كل القواعد رأسا على عقب وكذب كل التوقعات من تزكية الحزب إلى الفوز النهائي، مرورا بحملة انتخابية غير مسبوقة في كل شيء بما في ذلك وضاعتها وقذارتها.
وقد تستمر المفاجآت في عهد حكمه سلبا أو ايجابا بما في ذلك الحرب التي سيرثها عن سلفه باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط.