لحظات الإحساس بشدة الألم القاهر،لحظة الاستغناء عن الوجود تنتهي بلحظة التدمير الذاتي ،يكون فيها إعلان عن الوجود المفقود من طرف الذات.
إعلان يفجر بركانا لكل لحظات الغضب المكبوت في شكل تراكمات ،هو رغبة في تحميل الآخر مسؤولية وجودنا أو عدم وجودنا وكأننا مفعول بنا ولسنا فاعلين...
هو لحظة ربط الذات بالظروف الصعبة أو القاسية يأتي معها الإحساس بالدخول في عالم المستحيلات ،وكأن من يتكلم عن نسيم الأمل مجنون في عالمه ،و كأن السواد له معنى أكثر من البياض ،و كأن المزج بين العالمين أمر مستحيل....
قيل أنه دق ناقوس الخطر مع هذه الظروف و كأننا بالغنا في تقدريها وكأنها الأولى في حياتنا، وكأننا لم نمر بحياتنا بظروف أصعب ،فلماذا انفجر هذا البركان اليوم ؟هل المسألة لها تفسيرات موضوعية يمكن قياسها و فهمها ؟ أم أن الأمر يتعلق بالذات و مكوناتها ؟ألم يحن الأوان بعد بالاهتمام بصنع الإنسان؟
لحظة هدوء ،لحظة ننسجم فيها مع أنفسنا ،لحظة تبحث فيها الذات عن راحتها ثم تنصت بتأمل لما يروج باعتبارها وجودا اجتماعيا تنمو فيه الذات صانعة من نفسها ما ينتظره الغير منها كوجود يبحث عن التكامل ،هو وجود يطبعها بطابع خاص ،وجود قد تشوبه لحظات من الانكسار و التأزم ،لكن عندما تتناغم الذات مع نفسها تكون مستعدة لامتصاص كل إحباط أو أية طاقة سلبية خارجية نتيجة لبرمجة داخلية سببها تكرار لكل فكر سلبي مشحون مهيج للعواطف وللفكر التدميري ،الذي يعطل قدرات العقل التحليلي ولينطلق العقل العاطفي معبرا عن مخاوفه سواء بالهجوم أو الهروب أو الدفاع ،كل حسب تركيبته السيكولوجية و حسب ظرفيته الراهنة.
و الواقع أنه كلما أخذ العقل التحليلي بزمام الأمر كلما أحاط بالظاهرة و تحكم في طاقاتها العاطفية و الاندفاعية.لذلك ألا يحق أن تحدد أهدافنا في سلوكاتنا كأهداف إنسانية نبيلة تعكس كل خير في الإنسان ؟،أم أننا سنتوه مع الشحنات العاطفية لتذهب بنا إلى حيث لا يحمد عقباه ؟
ضمان الوجود والاستمرار وإثبات الذات بشكل إيجابي هو ما يجب أن يجمعنا ،محاصرة المعتقدات السلبية الهدامة هو ما يجب التخلص منه ،على اعتبار أن تدمير الذات هو تدمير للجماعة في حد ذاتها.
لقد تلوث الجو الاجتماعي المشحون بالأخذ والرد الغير اللازم ،أفلا يحق توجيه الطاقة في اتجاه الهدف و في العمل البناء للفرد و الجماعة ؟أليست هذه هي رسالتنا في هذا الوجود و ما سنحاسب عليه ككائنات روحانية ؟
إنه الوجود المتكامل و المشترك ،فيه من الحب ما يكفي و من الاختلاف ما يكفي ومن الانسجام ما يكفي ،بدون تواجد صادم للذات وهويتها يفقدها توازنها وإحساسها بالانتماء ، و تغذي الذات وجودها بالإحساس بالمواطنة لتنمو داخله في أجمل صورة تتصالح مع نفسها ومع الآخرين.