الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد لبيلتة: استراتيجية النضال الديمقراطي والمراجعات المطلوبة

عبد الحميد لبيلتة: استراتيجية النضال الديمقراطي  والمراجعات المطلوبة

نشأ مفهوم الديمقراطية في حضن الليبرالية، غير أن مفهوم الديمقراطية، قد تطور عبر التاريخ الحديث كمضامين ووسائل وآليات في النظرية والممارسة لتدبير القضايا المجتمعية، فلم تعد الديمقراطية حكرا على اللبراليين بل هذا التطور في مضمونها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، اتخذ بعدا كونيا مستقلا، أصبحت تحتكم إليه الشعوب في مدى وفائها للديمقراطية من عدمه .
في مجتمعنا المغربي بعد الاستقلال فرض النظام المغربي التوجه الليبرالي كنموذج لتدبير الدولة والاقتصاد والحياة السياسية، وهذا ما صاحبه من صراع حول السلطة، ومن نقاش حول التعددية الحزبية والحريات العامة كتأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات والصحافة، غير أن النظام السياسي المغربي فرض هذا النموذج الليبرالي قسريا، وبالتالي أشر هيمنته على الحقل السياسي ومؤسسات الدولة، وبالنتيجة، تم إعداد دساتير ممنوحة وفبركة أحزاب وجمعيات في دهاليز الإدارة، وتزييف الإرادة الشعبية سواء في الاستفتاءات أو العمليات الانتخابية، وتكميم التعبيرات السياسية المعارضة للنظام بالاغتيالات والقمع والمحاكمات الصورية.
في ظل حالة الاحتقان والهيمنة، ومن أجل عملية التجاوز لبناء نظام سياسي ديمقراطي، طرحت المعارضة في تقييمها للوضع السياسي الذي استعملت فيه كل الوسائل السلمية وغير السلمية، وخاصة المعارضة الاتحادية في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975 ، مسألة شروط تحقيق الديمقراطية في الواقع وبالممارسة، وربط ذلك بسؤال الإستراتيجية، ومن هذا المنطلق تم بناء استراتيجية النضال الديمقراطي والبحث عن آليات المزاوجة بين النضال المؤسساتي والنضال الجماهيري لتعميق الديمقراطية في المجتمع، وفي بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، ومن ضمن الاشتراطات التي يطرحها النضال الديمقراطي في هذه الاستراتيجية بلورة الخطط والفعاليات القادرة على التغيير نحو الديمقراطية في الدولة والمجتمع.، وهذه عملية شاقة، وتتطلب نفسا وعملا متواصلين، ونهضة فكرية، وتطوير تنظيمات أفقية وعمودية سياسية واجتماعية وثقافية.
هذه الاستراتيجية في النضال الديمقراطي وجهت من طرف النظام باستعمال كل المغريات والرشاوي السياسية، وبدا على السطح غياب قوى ليبرالية مستقلة للتحالف معها، باستثناء الاتجاه الليبرالي المحافظ المتمثل في حزب الاستقلال، الذي سرعان ما تحول بعد سنتين على إعداد هذه الاستراتيجية أي الدخول في التحالف مع حزب إداري في تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 1977 ، غير أن الطبقة الوسطى والصغيرة والمثقفين والطلبة انخرطت في تدعيم هذه الاستراتيجية إما عبر تنظيمات مهنية أو نقابية أو ثقافية...
وبعد مرور عقدين على اعتماد استراتيجية النضال الديمقراطي، بدأت نخب جديدة تقدمية وديمقراطية وحقوقية ومحافظة ليبرالية تصطف في إطار النضال الديمقراطي بعد القطع مع مسلمات إيديولوجية، و العمل من أجل الانتقال نحو الديمقراطية، كدولة وكمجتمع.، لكن هذا التحول في توسيع جبهة النضال الديمقراطي كان يستدعي مراجعات وإعادة بناء نقاش عميق لاستراتيجية النضال الديمقراطي وتقييم الحصيلة على اعتبار التراكم الكمي والنوعي بعد اعتماد هذه الاستراتيجية، وخاصة من طرف حزب الاتحاد الاشتراكي منذ سنة 1975 إلى 1995 ، غير أن عرض التناوب التوافقي كان عاملا ضمن عوامل أخرى ساهمت في تفكيك الحزب وذراعه النقابي وتواري العديد من مواقعه التي كانت تلتقي معه في بناء المشروع المجتمعي الديمقراطي.
ومع حركة 20 فبراير، استعادت الحركة الديمقراطية الأمل في تعزيز النضال الديمقراطي، وما تمخض عن هذا الحراك من دستور جديد، أعطت بعض مقتضياته نفسا جديدا للخيار الديمقراطي بالرغم من وجود العديد من القيود التي تكبل توازن النظام الديمقراطي، وفي مقابل هذا الحراك الديمقراطي السلمي الذي ميز الربيع العربي بالمغرب، أفرزت نتائج انتخابات 2011 تقدم التيار الإسلامي الليبرالي المحافظ، المتمثل في حزب العدالة والتنمية، الذي ساهم في تعطيل دينامية النضال الديمقراطي، وعدم التجاوب مع المطالب الديمقراطية.
إن اللحظة التاريخية الراهنة تستدعي بلورة رؤية متجددة لاستراتيجية النضال الديمقراطي، وتوضيح خطوط التحالفات الممكنة كضرورة للتغيير، وجعل القضية الديمقراطية كاختيار ومنظومة قيم إطارا للعمل و التنسيق والتحالف، ودعامة مركزية في صياغة البرنامج السياسي المرحلي، كما أن التجربة أثبت أن الاعتقاد بنجاعة النموذج الليبرالي ، اعتقاد خاطئ، لأن المجتمع تتقاسمه تيارات وحساسيات وتطلعات جديدة فكرية واجتماعية، وحتى يستقيم النموذج المغاير للنموذج الليبرالي، في إطار استراتيجية النضال الديمقراطي الجديدة، لابد من استعادة دور المثقفين كفاعل اجتماعي مركزي في عملية التغيير المجتمعي، على اعتبار الدور الذي لعبه المثقفون في الصياغات الأولى لاستراتيجية النضال الديمقراطي. فمن عوائق التراجع انزواء العديد من المثقفين في مواجهة صعود وتنامي الفكر المحافظ والتقليدي.
إذن وبالضرورة فعودة المثقفين إلى التأثير والمواجهة داخل فئات المجتمع، هي مساهمة قوية في نشر الثقافة الديمقراطية والحداثة.