السبت 4 مايو 2024
فن وثقافة

الشاعر المصري أحمد عبد المعطى حجازي يكتب عن ليلى سليماني الفائزة بجائزة كونكور الفرنسية

الشاعر المصري أحمد عبد المعطى حجازي يكتب عن ليلى سليماني الفائزة بجائزة كونكور الفرنسية

في الشهر الماضي فاجأتنا الأكاديمية السويدية بالاسم الفائز بجائزة نوبل للآداب هذا العام وهو المغنى الأمريكي بوب ديلان الذي لم يكن أحد من المشتغلين بالأدب في العالم يتوقع حصوله أو حصول غيره من المغنين والموسيقيين على هذه الجائزة المخصصة لرجال الأدب.

وهى المسألة التي اختلفت فيها ردود الفعل ودار حولها حوار واسع وقفت فيه في حديثي المنشور يوم الأربعاء الماضي إلى جانب الأكاديمية السويدية والمغنى الفائز بالجائزة.

وفى هذا الشهر أعلنت أكاديمية كونكور الفرنسية عن الفائز بجائزتها المخصصة للقصة، وهى كاتبة فرنسية شابة من أصول مغربية تدعى ليلى سليمانى فكانت هذه مفاجأة أخرى من نوع آخر. لأن الاسم جديد. وهو بالنسبة للكثيرين ولنا خاصة غير معروف. فضلا عن أنه اسم عربي يدفع للتساؤل حول المكان الذى يستطيع العرب الفرنسيون أن يحتلوه في الثقافة الفرنسية، في هذه الأيام التي تشهد جدلا لا يخلو من حدة وتوتر حول وجود العرب في أوروبا وموقف الأوروبيين منهم وموقف العرب من أوروبا ومن الغرب عامة ومن ثقافته ومن إمكانية الاندماج فيه.

هذه المسألة التي تعرضت لها في أحاديث سابقة أعود لها خلال حديثي عن جائزة كونكور وعن الكاتبة العربية التي فازت بها، لكنى سأنتهز فرصة الكلام عن الجوائز وما أثارته لأنقل لكم ما كان قد صرح به بوب ديلان في حديث أجرته معه إحدى الصحف الأمريكية ونقلته عنه قبل أسبوعين مجلة «كرازيا» الفرنسية وقال فيه إن أحب صوتين له في العالم صوت المغنية اليونانية نانا موسكوري والمغنية المصرية أم كلثوم !

هذا التصريح يستحق أن نقف عنده لأنه صدر عن فنان يعرف ما يقول ويعنى ما يقول. ثم لأنه يطرح للنقاش قضية الشرق والغرب، والحوار بين الثقافتين، والمكان الذى يحتله الغناء العربي عامة والمصري خاصة وغناء أم كلثوم بالذات في تراث الموسيقى العالمي وقدرة الغربيين على تذوقه.

أطرح السؤال وأعود به إلى جائزة كونكور والفائزة العربية بها، فحب بوب ديلان لصوت أم كلثوم وتذوقه لفنها الشرقي الأصيل ليس بعيدا عن مشاركة المهاجرين العرب في ثقافة الغرب واندماجهم في المجتمعات الأوروبية. ولنبدأ بكلمة عن جائزة كونكور التي لا نعرف عنها الكثير.

نحن لا نعرف هذه الجائزة كما لا نعرف غيرها من الجوائز المخصصة للغات بالذات ولأشكال أدبية بعينها مثل جائزة بوليتزر الأمريكية، وهى عدة جوائز تمنح للروائيين والشعراء والمشتغلين بالصحافة من المحررين والمعلقين والكتاب والرسامين. ومثلها جائزة كونكور التي أخذت اسمها من الأخوين إدمون وجول دوجونكور، وهما روائيان فرنسيان عاشا في القرن التاسع عشر، وانخرطا في النشاط الثقافي والأدبي الذى ازدهر في حياتهما وفى النشاط الاجتماعي المتصل به، وكتبا في الرواية والنقد والتاريخ، وأنشآ في أوائل القرن العشرين جائزة خصصت للرواية وقدرها خمسة آلاف فرنك، وهو مبلغ كان يعد كبيرا في الوقت الذى أنشئت فيه الجائزة في أوائل القرن العشرين، أما الآن فلم تعد له إلا قيمة رمزية ترشح العمل الفائز للنشر على نطاق واسع والوصول إلى جمهور كبير من القراء، وعن هذا الطريق يحصل المؤلف على ربح كاف. والمحكمون في جائزة كونكور يفضلون الروايات التي تنتمى للتيارات الواقعية والطبيعية التي كان الأخوان كونكور من المتحمسين لها. وهى تيارات تأثرت بالروح الوضعية التي سادت في القرن التاسع عشر وبالمناهج التي استخدمت في دراسة العلوم الطبيعية، وقصد بها إلى تقصير المسافة الفاصلة بين الأدب والعلم وبين الواقع والخيال. وقد فاز بهذه الجائزة عدد من كبار الروائيين الفرنسيين منهم مارسيل بروست عام 1906 وأندريه مالرو عام 1933 وسيمون دوبوفوار عام 1955وها هي كاتبة أخرى تفوز بالجائزة هذا العام وهى ليلى سليماني عن روايتها "أغنية ناعمة".

والجديد أن هذه الكاتبة من أصول عربية مغربية، لكنها ليست أول من فاز بالجائزة من العرب الناطقين بالفرنسية، فقد سبقها اثنان من هؤلاء: الطاهر بن جلون المغربي الأصل الذى فاز بالجائزة عام 1987 عن روايته «الليلة المقدسة»، وأمين معلوف اللبناني الأصل الذى فاز بها عام 1993 عن روايته «صخرة طانيوس». فضلا عن خطوة جديدة خطاها هؤلاء الكتاب ذوو الأصول العربية وأثبتوا بها حضورهم وقدرتهم على المشاركة في النشاط المتصل بهذه الجائزة والنشاط الثقافي الفرنسي بشكل عام وهى اختيار الطاهر بن جلون ليكون عضوا دائما في أكاديمية كونكور وواحدا من المحكمين في الجائزة التي أصبحت عدة جوائز. فقد أضيفت لجائزة القصة جائزة للشعر أصبحت من أهم الجوائز الفرنسية بعد أن فاز بها عدد من كبار شعراء اللغة الفرنسية منهم إيف بونفوا الذى حصل على الجائزة عام 1987 وجان جيفيك الذى فاز بها في العام التالي. وفى عام 2009 فاز بها شاعر مغربي يكتب بالفرنسية، وهو عبد اللطيف اللعبي.

هل يعنى هذا أن المجتمع الفرنسي أصبح أكثر استعداداً لاستيعاب العرب المقيمين في فرنسا وهم يعدون الآن بالملايين، وأن هؤلاء العرب أصبحوا أكثر استعداداً للاندماج في المجتمع الفرنسي والانتماء للثقافة الفرنسية أو للانخراط في النشاط المتصل بها؟

الواقع أن ما نشهده في السنوات العشرين الأخيرة يجيب على هذا السؤال بلا، ويجيب عليه في الوقت ذاته بنعم.

السنوات الأخيرة شهدت في أوروبا وأمريكا نشاط الجماعات الإرهابية التي تنتمى للإسلام السياسي، هذا النشاط الذى استغلته التيارات الفاشية العنصرية في الغرب فشنت حملاتها على المهاجرين العرب والمسلمين واعتبرتهم خطراً يهدد أمن الغربيين وحضارتهم واستطاعت بذلك أن تجد من يستمعون لها ويتأثرون بدعاياتها.

غير أن السنوات الأخيرة في المقابل شهدت سعيا مشتركا لإشراك العرب في النشاط السياسي الحزبي والحكومي. وقد رأينا في رئاسة ساركوزي كيف أسندت وزارة العدل لرشيدة داتي وهى فرنسية من أصل مغربي، وفى رئاسة هولاند أسندت وزارة التربية لنجاة بلقاسم. أما في الثقافة فالأسماء العربية تعد بالعشرات. وقد ذكرنا بعضها فيما سبق. ويمكننا أن نضيف إلى من ذكرناهم محمد ديب، وكاتب ياسين، وجمال الدين بن الشيخ، ويكفى في هذا المجال أن نشير للمكانة الرفيعة التي بلغتها آسيا جبار في الثقافة الفرنسية، هذه المكانة التي توجت بحصول هذه الروائية الشاعرة على عضوية الأكاديمية الفرنسية، وهى المرأة الثالثة التي تنال هذا الشرف.