الخميس 9 مايو 2024
كتاب الرأي

مصطفى العراقي: ذكرى المسيرة الخضراء وتحديات المرحلة

مصطفى العراقي: ذكرى المسيرة الخضراء  وتحديات المرحلة

تخلد بلادنا الذكرى 41 للمسيرة الخضراء التي انطلقت في أكتوبر من سنة 1975 وتُوجت يوم السادس من نونبر بالوصول إلى الحدود الوهمية التي وضعها الاستعمار الاسباني بين المغرب وصحرائه لعدة عقود، لقد شكلت هذه المسيرة حدثا وطنيا ودوليا، بتطوع 350 ألف مغربي ومغربية لبوا نداء الوطن من أجل استرجاع جزئه المغتصب واستكمال الوحدة الترابية.

أربعة عقود مرت على الحدث، وتحت جسر هذه المدة مرت مياه عدة، محليا وإقليميا ودوليا، يمكن تلخيص انسيابها في الآتي:

وطنيا، هناك أربعة معطيات رئيسية اليوم تتمثل في أن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، كما قال جلالة الملك محمد السادس، وثانيا أن مقاربة جديدة للتنمية انطلقت منذ سنتين للنهوض بالأقاليم الجنوبية، وعبرت عنها ، بوضوح، الزيارات الملكية للعيون والداخلة . وثالثا  خيار الجهوية الذي تم إقراره بعد انتخابات الرابع من شتنبر 2015. ورابعا إنشاء آلية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها من خلال  المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية.

اليوم، يسعى المغرب لتصحيح الاختلالات التي خلفتها المقاربة الأمنية لما يقارب ربع قرن من استرجاع صحرائنا، وهي المقاربة التي لم تول أي اهتمام لتنمية حقيقية يكون العنصر البشري عمودها الفقري، ولم تجعل من احترام حقوق الإنسان أولوية، وقد أدى ذلك إلى خلق أجواء استغلها خصوم الوحدة الترابية للترويج للفكر الانفصالي.

إقليميا ،مازالت الجزائر تصر على  مناوءة المغرب من خلال الترويج لأطروحتها التي تدعو إلى خلق كيان وهمي بالصحراء. لقد أهدرت جارتنا الشرقية زمنا تنمويا لشعبها وللمنطقة المغاربية، وصرفت خلال الأربعة عقود الأخيرة أكثر من 150 مليار دولار كصفقات أسلحة وتحركات دبلوماسية، هاجسها الرئيسي هو مناهضة  الحق التاريخي لبلادنا .

 لقد أدى هذا النهج إلى ترسيخ هيمنة المؤسسة العسكرية بالجزائر على مناحي الحقل السياسي والاقتصادي لهذا البلد المغاربي، وعطل الخيار الديمقراطي ووجه عائدات البترول والغاز التي تبلغ سنويا أكثر من 50 مليار دولار، وجهها خارج مجالات التنمية وراكم بذلك مشاكل بنيوية اجتماعية واقتصادية ومجالية.

كما نتج عن التوجه الجزائري هذا، شل اتحاد المغرب العربي الذي يعد خيارا لتنمية المنطقة وتكامل واندماج اقتصادياتها ، وإصرارها على إغلاق الحدود مع المغرب حارمة بذلك شعبين من التواصل بالرغم من الروابط التاريخية والاجتماعية التي تجمعهما.

دوليا، أخلفت الأمم المتحدة مواعيد عدة من أجل إنصاف المغرب وتأكيد حقوقه التاريخية واستكمال وحدته الترابية، بالرغم من أنه قدم العديد من المقترحات، أبرزها الحكم الذاتي الموسع. لقد جعلت من الصحراء ملفا مفتوحا زجت به في أجندة موظفيها الذين أصبحوا يرون في إطالة أمد النزاعات والقضايا الإقليمية والدولية هدفا لاستمرار مناصبهم ومواردهم وامتيازاتهم، وأن أي حل سيحرمهم من مناصب شغل وتعويضات عن إنجاز مهام وتقارير ...

نعم هناك مصالح للدول العظمى ورؤى استراتيجية  في التعامل مع  قضايا العالم وبؤر توتره ونزاعاته. لكن يضاف إلى ذلك اليوم لوبي الموظفين الذين يسعون إلى إطالة عمر القضايا وتمطيط زمنها  المتوتر. وما سلوك  الأمين العام بان كيمون المنتهية ولايته وعدد من موظفيه تجاه قضية صحرائنا ، إلا تعبير عن  نوايا  هذا اللوبي  .

هذه بعض التحديات التي على المغرب مواجهتها وطنيا وإقليميا ودوليا، وهو يدشن مرحلة دبلوماسية جديدة أبرزها تحركه لاستعادة مقعده بالاتحاد الإفريقي .ودون شك فإن من الأولويات اليوم خلق عدالة مجالية كي تعالج الاختلالات المتراكمة، وترسيخ حقوق الإنسان وحمايتها والنهوض بها. المغرب اليوم هو هذا المجال الجغرافي والبشري الممتد من طنجة إلى الكويرة، وعلى استراتيجياته وسياساته العمومية ومقارباته أن تعمل على تأهيل الوطن كل الوطن.