الأستاذة كريمة بلهواري مناضلة في صفوف الحزب الاشتراكي الموحد، وإحدى النساء التي رفعت صوتها عاليا في العديد من المحطات النضالية رفقة ثلة من المناضلات بمدينة اليوسفية دفاعا عن الكرمة الإنسانية والمطالب العادلة للشغيلة المغربية، شاركت خلال الوقفة الاحتجاجية ضد الحكرة ليلة الأحد 30 أكتوبر من السنة الجارية التي دعت لها الفعاليات النقابية والسياسية والحقوقية والجمعوية بعاصمة الفوسفاط، وكان لـ " أنفاس بريس " معها الحوار التالي :
++ في خضم الأحداث المتسارعة منذ فاجعة الحسيمة ليلة 28 أكتوبر من السنة الجارية، كيف تقرئين هذا الزخم العظيم لخروج الشارع المغربي يوم الأحد 30 أكتوبر للتنديد بما وقع للراحل محسن فكري؟ وما هو تقييمك للوقفة التي نظمتها الفعاليات باليوسفية ؟
شاب الريف محسن فكري، رحمه الله، يعتبرشهيدا للكرامة، التي ناضل لأجلها المغاربة ولا يزالون كغيرهم من الشعوب المقهورة، هذا الشاب ينضاف اسمه إلى قائمة شهداء لقمة العيش بالمغرب من أمثال أمي فتيحة وغيرها. وما خروج المغاربة إلى الشارع و الاحتجاج في أكثر من 50مدينة، إلا لأجل هذه الكرامة، والتي أصبحت مطلبا بارزا وهاما منذ حراك 20 فبراير 2011 . صحيح أن موت الشاب محسن، بتلك الطريقة البشعة وداخل حاوية أزبال ليس بالأمر الهين الذي يمكن للمغاربة أن يتقبلوه بدم بارد أو بدون ردود أفعال، فطبيعي جدا أن يحتج المغاربة في مثل هذه الكوارث الانسانية التي تستفز مشاعرهم والتي أصبحت تتكررفي المغرب وبطرق مختلفة . فحراك المغاربة كان عفويا على الأقل في بدايته حيث انطلق من الحسيمة مكان الواقعة ليتخذ بعد ذلك اتجاها أكثر تنظيما، اذ شرعت بعض التنظيمات السياسية والنقابية الاكثر جرأة إلى دعوة مناضليها للمشاركة في هذه الاحتجاجات ودعم الشارع المغربي مادام الأمر يتعلق بالكرامة ورفع الحكرة على المواطن، ويمكن أن أضيف أن الواقعة المؤلمة بالحسيمة تزامنت مع مرحلة احتقان اجتماعي وسياسي صعب، الشيء الذي ساهم في إنجاح هذه الاحتجاجات بشكل جعل بعض مسؤولي الدولة يلتقطون الاشارة بسرعة ويعلنون التدخل من خلال تقديم العزاء لأسرة الراحل بالحسيمة أو من خلال الاسراع إلى البحث عن أسباب الحادث والتحقيق في ملابساته واعتقال 8 أشخاص على دمة التحقيق و3 متابعين في حالة سراح مؤقت. وأؤكد لموقعكم أن الشارع المغربي مستعد للاحتجاج مادامت عوامل الاستفزاز مستمرة .
بخصوص الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها الفعاليات المناضلة بمدينة اليوسفية يوم 30 اكتوبر 2016 , على إثر فاجعة الحسيمة، ودون التركيز على الجانب الشكلي والاهتمام فقط بالمضمون، يمكن القول أنها وقفة ناجحة ، بغض النظر عن الهامشيات، ناجحة أولا، في كونها كسرت الصمت عن الكوارث الانسانية التي تحدث في مغرب 2016، وأشركت ساكنة اليوسفية آلام وأحزان أبناء الوطن كما برهنت على اهتمام مواطني المدينة بقضايا الشعب والوطن. إذ نددت بجريمة مقتل الشاب محسن فكري واستنكرت بشاعة الفعل اللاإنساني. نعم كانت ناجحة كذلك لكونها سجلت لحظات نضالية متميزة استطاعت تجميع كل من السياسي، النقابي، الجمعوي والحقوقي والمواطن العادي والبسيط على كلمة سواء مفادها، لا للحكرة، لا لإهانة المواطنين، نعم للكرامة، نعم للحقوق .
وكانت ناجحة أيضا بالنظر إلى الرسالة التي وجهتها سواء للجهات المسؤولة أو للسلطات المحلية بالمدينة، والخلاصة أنها وقفة جسدت الالتفاف حول مأساة محسن فكري وحققت الاتحاد عند الضرورة .
++ هناك من يعتبر أن الحركات الاحتجاجية والمطلبية " فتنة " يمكن أن تزعزع الاستقرار والأمن، كيف تردين على هذا الرأي؟
طبعا لا، لا يمكن اعتبارها فتنة. فالاحتجاجات صيغة من الصيغ النضالية التي يلجأ اليها الشعب المغربي تحت الضغط، كما هو الشأن لغيره من الشعوب في حالة الاستياء والغضب، وما خروج المغاربة يوم 30 أكتوبر إلا تعبيرا عن رفضهم للشطط ورفضهم للحكرة والانتهاكات التي أصبحت سلوكا مقيتا يمارس باستمرار على الفئات الهشة والبسيطة من أبناء هذا الشعب. فالحكرة تسببت في الكثير من المآسي داخل المغرب و آخرها مأساة الشاب محسن فكري بالحسيمة.
واحتجاجات اليوم ليست الاولى من نوعها , فالتاريخ النضالي للمغاربة حافلا بالمسيرات، بالإضرابات والاحتجاجات، التي تزايدت حدتها منذ حراك فبراير 2011,، وما يميزها أنها تشمل المدن والقرى، وتشارك فيها مختلف الفئات العمرية بالإضافةإلى تواجد النساء، ومن خلال الاساليب والطرق التي تدار بها هذه الاحتجاجات يبدو أن المغاربة قدموا درسا في النضال المتحضر والحضاري وفي الانضباط و التنظيم لكل من تسول له نفسه الافتراء وادعاء الفتن، كما أن المغاربة برهنوا وبالواضح على أنهم شعبا متضامنا، يتحدث نفس اللغة عندما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن والمواطنين.
و بخصوص الاستقرار فهو مطلب ومصلحة كل المغاربة دون استثناء، شريطة ألا يكون فقط على حساب أبناء الشعب البسطاء والفقراء والكادحين. والاستقرار في المغرب رهين بمجموعة أشياء، أهمها العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات كما يحتاج إلى احترام القانون والمؤسسات وإلى دولة الحق والكرامة، وغيرها من الأمور التي تشرف الانسان وترفع من قيمته، ولابد لهذا الاستقرارمن تنازلات تراعي الصالح العام، والخلاصة أن الاستقرارفي بلدنا المغرب لا ينبغي أن يدفع ثمنه فقط البسطاء من أبناء الشعب الذين صمدوا وعانوا كثيرا لأجل هذا الاستقرار ولأجل هذا الوطن.
++ أين يكمن الخلل في اعتقادك على مستوى العلاقة القائمة بين الإدارة والمواطن، وهل تعوزنا القوانين والمساطر لترسيخ ثقافة الحق والواجب، وربط المسئولية بالمحاسبة؟
ان العلاقة بين الادارة والمواطن تشوبها اختلالات كثيرة ومتعددة، و الخطاب الاخير للملك خير دليل على هذه الاختلالات. فبكل واقعية ارى ان هذه الاختلالات ترتبط بعوامل عدة، يمكن تلخيصها في نقطتين اساسيتين، الأولى ترتبط بالجانب الاخلاقي، والثانية لها علاقة بالقوانين والمساطر.
فالاخلاق اعتبرها درعا وقائيا من الفساد الذي ظل ينخر الادارات المغربية دون استثناء ، فالفساد موجود وبمختلف الاشكال: الرشوة، انعدام تكافؤ الفرص وغياب الشفافية وزيد وزيد وانتشار الفساد يعني ضياع حقوق المواطنين والمواطنات في دولة تعتقد نفسها تسير في اتجاه الدمقرطة والحداثة.، و الجانب الاخلاقي الذي نحن بصدد الحديث عنه ، يرتبط في العمق بمدى قدرة الدولة على احترام الحقوق والمواطنين ، أما فيما يخص النقطة الثانية والمرتبطة بالقوانين فأقول، لابد من تطبيق القانون والعمل على احترامه داخل الادارات المغربية، لأنه وحده الكفيل بضمان الحقوق لكافة المواطنين والمواطنات.