الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: من أجل تحيين سؤال الحاجة إلى مراجعات فكرية

مصطفى المنوزي: من أجل تحيين سؤال الحاجة إلى مراجعات فكرية مصطفى المنوزي

عندما سئلت من قبل قيادي اتحادي سابق أن أجيبه بصراحة عن أسباب قلقي، أجبته بكل تركيز. يقلقني ملف المختفين قسريا الذي توقفت فيه المجهودات، لا كشف عن مصير ولا حقيقة ولا قبور ولا رفات ولا عناية  بالموضوع، أغلب عمليات جبر الضرر الفردي ناقصة لفشل المقاربة التعويضية، وقد طالبنا رسميا بإنشاء صندوق وطني لمأسسة جبر الضرر الفردي والجماعي، جميع المعتقلات السرية السابقة تم  تبديد معالمها، الشق الحقوقي في الدستور لازال تفعيله متعثرا، معاينة تعسف المحافظين وتواطؤ الأصوليين هنا وهناك، المنظومة التربوية بجميع مكوناتها في تدهور وتفاقم  متصاعد، بما فيها الأسرة والمدرسة والوقت الحر، الاصلاحات متعثرة، تعسفات في معالجة المخالفات وتأديبات متشددة وجائرة في حق بعض القضاة النزهاء، تردد في تبني حكامة أمنية تجاه التعبير السلمي الحضاري، عودة التعنيف المؤسساتي والمغالاة في استعمال السلطة والقوة، فوضى الاشاعات والتضليل الإعلامي، عودة نزعة التكفير والتخوين للمشهد الحقوقي والسياسي، توظيف المعيار الأخلاقي لتصريف سياسات « وضعية » بخلفيات عقائدية ودينية، تيه الفاعلين السياسيين وحضور مكثف للذكاء اللفظي وميوعة النقاش العمومي وابتذال  المبادرات « السياسوية » وعبثيتها، سكوت  العقل وسبات الحكمة.

كل هذا وإن كان يدعو للقلق ، فله مبرراته الموضوعية، وقانونه الذي يوجهه أمام عجز النخبة عن الوعي التاريخي أن محاربة الفساد لن تعوض الصراع الفكري والسياسي الذي عنوانه مناهضة الاستبداد، وبذلك فالعمل الحقوقي لن يكون بديلا عن النضال الإجتماعي والسياسي، بغض النظر عن تجاهل السقف اللبرالي للمعارك الصغرى بمحدوديتها، في ظل تشظي المقاربات وانشطار "زوايا"، الخلاف، ويا ريت أن النخبة تتمثل فعلا المقاربة بسقف ليبرالي، فليست، فليست العدمية والانقلابية سوى مظاهر من الالتفاف على قانون التراكم  المؤطر للتحولات الكمية إلى كيفية، سواء في الفكر أو قوة العمل الناتجة عن تراكم الرأسمال، ناهيك عن عودة تمثلات التفكير العشائري والقبلي، حيث أن كل من يسكن دكانا سياسيا يتوهم انه يملك وحده الحقيقة الثورية أو التاريخية بمنطق تقديس الزاوية وأسطرة شيخ القبيلة. الشيء الذي يدعو فعلا إلى فتح ورش المراجعات الكبرى.

 فهل نحن مؤهلون، كأسر  تنتمي بالضرورة أو الوعي  للصف التقدمي، من أجل  التواصل والخوض في هذه الأسئلة المصيرية الحارقة، أم أن الانتظارية تعفينا من بذل أي مجهود  فكري، مادام الاعتقاد يتراكم استيلابا بقانون الجبرية السياسية.