مباشرة بعد إعلان نتائج استحقاقات 07 أكتوبر، توالت الأحداث بشكل متسارع، بل عرفت الساحة السياسية مجموعة من الأفعال وردود الأفعال، يمكن تلخيصها في خمس أحداث مهمة.
- أولا، إعلان فوز حزب العدالة والتنمية بانتخابات مجلس النواب بـ 125 مقعداً، وما تلا ذلك من تكليف لعبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة؛
- ثانيا، لم يتأخر رد فعل حزب الأصالة والمعاصرة، إذ خرج إلياس العماري، بتصريح للإعلام يعلن من خلاله اصطفاف حزبه نحو المعارضة؛
- ثالثا، الاستقالة السريعة والمفاجئة لصلاح الدين مزوار من رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار، ودعوة عزيز أخنوش للرجوع لصفوف الحزب، ثم تحديد تاريخ 29 أكتوبر كموعد لانعقاد مؤتمر استثنائي، لانتخاب رئيس جديد، وصولا بإعلان تشكيل فريق نيابي مشترك بمعية حزب الاتحاد الدستوري؛
- رابعا، عدم تأخر رد فعل حزب الاستقلال، عن هذا التكتيك السياسي، بتنظيمه للقاء تشاوري جمع قيادتي حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، انتهى بإعلان عن تنسيق مشترك للمشاركة سويا في الحكومة المقبلة؛
- خامسا، هرولة أغلب الأحزاب الممثلة في البرلمان، بما فيها حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية نحو الترحيب بالمشاركة في حكومة بنكيران الثانية. إذ توالت اجتماعات عبد الإله بنكيران بحي الليمون هذه المرة، عكس سنة 2011، حيث استقبل قيادة الحركة الشعبية، ثم قيادة الحليف التقليدي التقدم والاشتراكية، ثم حزب الاستقلال، انتهى برفع أيدي شباط وبنكيران إلى اجتماع رفقة قيادة الاتحاد الاشتراكي، انتهى بتصريح إدريس لشكر، عن نية حزبه تسهيل مأمورية تشكيل الحكومة، وصولا لاجتماع بقيادة حزب عرشان (الأب والابن) انتهى بتصريح لعبد الصمد عرشان عن مساندة حزبه للحكومة المقبلة.
انطلاقا مما سبق، فإن حزب الأصالة والمعاصرة، وجد نفسه محصوراً في ركن معزول عن باقي الأحزاب السياسية، خصوصا بعد هرولة حليفيه السابقين، حميد شباط وإدريس لشكر، مضطرين نحو مشاركة غير مشروطة في الحكومة المقبلة، وذلك بغية حفظ ماء وجهيهما وإنقاذ حزبيهما من مشاكل عويصة.
وبالتالي، فإن قيادة حزب البام، وجدت نفسها مضطرة للخوض في النقاش الدائر عبر شكل جديد غير مألوف في الساحة السياسية المغربية، وذلك عن طريق نشر رسالتين موقعتين من طرف إلياس العماري بصفته الأمين العام الحزب.
بعد قراءة متأنية للرسالتين المذكورتين، يتبين أن هذه الدعوة للمصالحة التاريخية، تطرح أكثر من سؤال، يمكن تلخيصها في أربع أسئلة جوهرية:
1. لماذا الدعوة لمصالحة تاريخية في هذا الوقت بالذات، ألم يكن حريا انتظار تشكيل الحكومة ووضوح أفضل للصورة؟
2. حزب الأصالة والمعاصرة، يبقى حزبا حديث النشأة، إذ أن عمره لا يتحاوز الثمان سنوات، وبالتالي فإنه غير مسؤول عما وقع بماضي المغرب الحديث؟
3. حزب الأصالة والمعاصرة لم يسبق له أن تحمل مسؤولية التسيير الحكومي، أين تتجلى المسؤولية السياسية للحزب مما وقع من مأسي وآلام...؟
4. تقرير الخمسينية وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، هما تقريران من إنجاز الدولة المغربية. لماذا يريد الحزب الانفراد بتبني توصيات هذين التقريرين المهمين في حياة المغرب؟
وعليه، فإن ما يمكن استنتاجه، أن دعوة الحزب (أو من يقف وراء الرسالتين) للمصالحة التاريخية، يتوخى منه توجيه إشارات أساسية لمن يهمه الأمر:
- أولا، إشارة لحزب العدالة والتنمية، مغزاها أن البام يمد يده للبيجيدي لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة بدون شروط مسبقة؛
- ثانيا، إشارة لباقي الفاعلين السياسيين، أن البام كان وما زال (على الأقل في الوقت الحاضر) ورقة مهمة وأساسية في الحياة السياسية لا يمكن تجاوزها بسهولة. كما أنه قادر على قلب الطاولة على الجميع، في أي لحظة، بإعلانه إمكانية التحالف مع البيجيدي؛
- ثالثا، إشارة لأحزاب الكتلة خصوصا، أن البام يمكنه القبول بلعب دور المعارضة، لكن ليس بخندقته مع أحزاب توصف بالأحزاب "الإدارية" من قبيل التجمع والحركة والدستوري. بل هو في حاجة لمن يلعب معه دور المعارضة الحقيقية، من مراقبة للعمل الحكومي، ومتابعة للعمل التشريعي وطرح حلول بديلة للمشاكل التي تعرفها البلاد. هذه المعارضة، لا يمكنه أن يعتمد فيها على الأعيان الذين يشكلون العمود الفقري للأحزاب الأربعة السالفة الذكر.
ختاما، يبقى الزمن هو الكفيل، لمعرفة مدى صدق هذه الدعوة، هل هي فعلاً دعوة حقيقية لمصالحة تاريخية بين مختلف الفاعلين السياسيين، أم مجرد تكتيك سياسي بامي، مشروع يتوخى منه الحفاظ على مصالح الحزب.