بعدما ظنناه راحلا بلا رجعة أو على الأقل سيجد نفسه في ورطة حقيقية حين يجد أن ما حصده من مقاعد برلمانية هزيلا ولا يوفر له ما يكفي من الحرية لمباشرة المفاوضات مع الفرقاء الحزبيين من أجل تشكيل الائتلاف الحكومي، ها هو ذا يعود من جديد أكثر قوة ونشاطا ليتصدر المشهد الحزبي ويثير الكثير من الاستفهامات والتساؤلات.
أسوأ الاحتمالات وقعت إذن.. الضحية تختار الجلاد مرة أخرى. رغم التراجعات المخيفة في كل المجالات، وغلاء المعيشة واستفحال البطالة وازدياد نسبة المديونية والتخريب الممنهج للتعليم والصحة... رغم الفضائح الأخلاقية وغير الاخلاقية والتصريحات العنصرية وزلات اللسان التي كان من الممكن أن تهوى بهم إلى أسفل السافلين ...
رغم أنه عاد إلى ناخبيه الذين منحوه الثقة في 2011 بخفي حنين وعندما لم يجد ما يقدمه لهم كحصيلة، أطلق العنان لدموعه الغزيرة.. رغم كل شيء إذن استطاع بنكيران الاستحواذ على أكبر حصة من غنائم السابع من أكتوبر.. ومن لم يستسغ الأمر فليشرب من المحيط ..
من الواجب الاعتراف بخبرة شيخ جوقة البيجيدي في قراءة نفسية وعواطف الجماهير ومن المستبعد ألا يكون من القراء النهمين لكتاب غوستاف لوبون الشهير.
انتخابات السابع من أكتوبر مفاجأة بكل المقاييس، وتجعل بلادنا من الأمثلة النادرة للبلدان التي يذهب فيها الناخبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار سياسيين فاشلين يرهنون حاضرهم ويضعون مستقبلهم في كف عفريت..
هل يعقل أن تزداد شعبية سياسي رقم أنه يطبق سياسات لاشعبية ويرتكب من الأخطاء السياسية ما يكفي لتأليف موسوعة..؟
لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي دفعه فضوله ليسأل بنكيران ذات السؤال: أنت السياسي الوحيد في العالم اليوم الذي يحتفظ بشعبية كبيرة رغم أنك تتخذ قرارات غير شعبية. ما السر وراء ذلك؟
فابيوس وهو يسأل بنكيران باستغراب يدرك أنه لو فعل ربع ما فعله بنكيران في بلده لعاقبه الناخبون هو وحزبه شر العقاب ولغادر الحياة السياسية بلا رجعة.
الخالة ميركل –كما لقبها المغاربة الحراكة- رغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها للشعب الألماني إلا أن ذلك لم يشفع لها حينما ارتكبت خطأ سياسة "الباب المفتوح" تجاه المهاجرين، وعاقبها الناخبون في الانتخابات البلدية.
في إسبانيا المنهكة بالأزمة الاقتصادية حيث المواطن يؤمن أن اليمين يجب أن يكون يمينا واليسار يسارا، وحين وجد نفسه أمام حكومة اشتراكية تطبق برنامج اليمين، لم يستسغ الأمر وصوت عقابيا لصالح اليمين ...
كثير من المتتبعين والمحللين كانوا يتوقعون سابعا من أكتوبر بطعم آخر. التصويت العقابي الذي كان يراهن عليه لإيصال رسالة قوية لبنكيران خاب الظن فيه... ونبيلة منيب التي بدت مثل المهدي المنتظر الذي جاء في الوقت المناسب ليكسر احتكار البوليميك الانتخابي والسياسي بين البام والبيجيدي لم تستطع إقناع الغاضبين من سياسات بنكيران ومنيت بهزيمة ماحقة...
المواطن الواعي الحر لا يلدغ من الجحر مرتين.. لكننا لدغنا مرتين ومن نفس الجحر.. ومن يدري فقد نلدغ مرات أخرى، ما دام فكرنا ووعينا في الحضيض...