الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

نجيب الحجيوي: بعض دواعي المشاركة في انتخابات 7 أكتوبر

نجيب الحجيوي: بعض دواعي المشاركة في انتخابات 7 أكتوبر

تشكل العملية الانتخابية في تاريخ جميع الشعوب التي تؤمن بالديموقراطية زمناً غير عاديا ولحظة استثنائية، ذلك أن عملية المشاركة يوم الاقتراع هو فعل سيادي مباشر، حيث يمتلك فيها المواطنة والمواطن المغربي سلطة الحسم واختيار من سيمارس السلطة باسم الشعب ومن سينوب عنه في بلورة وتلبية مطالبه العمومية. 

إذا كانت انتخابات 2011 قد جرت وفق سياقات ورهانات سياسية داخلية وخارجية تتراوح بين حركات اجتماعية واحتجاحية قوية أدت إلى سقوط أنظمة مستبدة ومتسلطة، وحركات أخرى أفرزت انتقالات وتحولات سلمية وهادئة كما هو الشأن  بالمغرب، فإن انتخابات 7 أكتوبر ستجري وفق رهانات وانتظارات مغايرة ومختلفة أساسها مساءلة أولا، الحصيلة الحكومية لاسيما السياسات الاجتماعية التي اتخذتها حكومة يرأسها حزب العدالة والتنمية، هذه السياسات التي أثرت بشكل واضح على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى نمط وأسلوب عيشهم، هذا دون أن ننسى مساءلة وتتبع رهانات أكثر أهمية من قبيل (كيفية الرفع من مؤشرات التنمية البشرية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مواصلة إصلاح القضاء والإدارة والتعليم والصحة، الرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني، تحسين مناخ الاعمال وتشجيع المقاولة وجعلها أكثر جاذبية ونجاعة..).

كما أن انتخابات مجلس النواب لـ 7 أكتوبر تختلف عن انتخابات الجماعات الترابية الماضية. فإذا كان المواطن المغربي يفضل دائماً الانخراط في الانتخابات الأكثر قربا منه والأكثر نفعاً، وهي الانتخابات الجماعية المحلية، حيث أن مخرجاتها السياسية والاجتماعية تكون واضحة وبشكل مباشر.. ولهذا فإننا نرى دائماً أن نسبة المشاركة تكون مرتفعة بالمقارنة مع الانتخابات البرلمانية، فإن الانتخابات التشريعية بالمقابل تعد أكثر سجالا وجاذبية ونقاشا وحدة بالنظر إلى كون الاحزاب السياسية تكون ملزمة ببلورة صياغة برامج انتخابية على الصعيد الوطني وفق رؤية أكثر عمقاً تتجاوز المجالات المحلية الضيقة وأكثر تنافسية وفق مؤشرات وأرقام ورهانات ومقاربات علمية وواقعية.. كما أن انتخابات مجلس النواب تفضي مباشرة إلى إفراز أغلبية برلمانية وإلى تشكيل حكومة وإعادة بلورة وصياغة برنامج حكومي متوافق عليه من قبل الاحزاب المشكلة للحكومة، هذه البرامج هي عبارة عن سياسات عمومية تحمل حلولا لمشاكل وقضايا تهم الدولة والمجتمع.

كما أننا ولأول مرة نشعر بوجود تقاطب بين حزبين حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية وبروز أطروحة اليسار كحل ثالث لشق هذا التنافس الشديد والمصطنع بين الحزبين المذكورين، مع بقاء جزء كبير من الأحزاب السياسية تنتظر مآل هذه الانتخابات ومن سيفوز بالمرتبة الاولى، دون قدرتها على تحديد موقعها الطبيعي مسبقا ومع من ستتحالف.

إن عملية اختيار الأحزاب والمرشحين من قبل المواطنين هو أمر يخضع بصفة طبيعية لفعل دراسة وإعادة قراءة وتأويل واختيار البرامج الانتخابية والعروض السياسية العمومية التي يستقدمها الأحزاب السياسية.. ولهذا فإننا نأمل أن تكون هذه الأخيرة قد زكت مرشحين تتوفر فيهم الشروط القانونية (أهلية الترشح، انعدام السوابق القضائية...) والشروط الموضوعية (النضالية داخل الحزب، الغيرة على الوطن ونظافة اليد، كفاءته في التدبير والتسيير، شواهده العلمية...) والشروط التواصلية (قدرته على التواصل مع الناخبين قبل وبعد العملية الانتخابية، مكانته الاعتبارية داخل الدائرة وقدرته للدفاع عن مصالحها...). فالأحزاب السياسية يجب أن لا تفكر بمنطق، من سيقدر على كسب المقاعد فقط وعلى حساب الكفاءة والحرفية، وتزكي الأعيان وأصحاب الأموال والسماسرة... بل عليها أن تنتبه إلى تغير ثقافة المواطن من حالات اللامبالاة إلى المشاركة والمبادرة، من حالات الانتهازية والانتظارية إلى حالات التدافع والترافع، من حالات الصوت الفارغ والعزوف إلى حالات الفعل والمواجهة.... فالمواطن المغربي أصبح قادرا على التمييز والفصل والاختيار بين: الصدق والكذب بين الواقعية والطوباوية، بين الصالح والطالح، بين الوعود الكاذبة والأفعال والنوايا الصادقة بين الممكن إنجازه والوهم.... 

إن تعدد العروض الانتخابية كما وكيفا ومدى تنافسيتها، ستدفع المواطن وبدون شك نحو الانجذاب والمشاركة، فرغم أن سوسيولوجية الانتخابات بالمغرب هي سوسيولوجية مركبة ومعقدة وتدعو دائماً للتمييز بين البادية والمدينة حيث الطقوس والعادات ودرجة الوعي والتمييز واختلاف محددات السلوك الانتخابي تتمايز بشكل كبير جداً بين الفضائيين، فإن المواطن المغربي وعبر الاستشارات الانتخابية سواء كانت محلية أو تشريعية، قد راكم من التجربة ما يجعله قادرا على تغيير موازين القوى والتغيير ومحاربة المفسدين والسماسرة.

فالتنافسية الشديدة للأحزاب الكبرى، خصوصا بين الأحزاب الكبرى، حزب الأصالة والمعاصرة والاستقلال والعدالة والتنمية والأحرار والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، إذ يلاحظ أن هذه الأحزاب قد تخلصت نسبيا من طرقها التقليدية في صياغة برامجها الانتخابية ورفعت من احترافيتها في بلورة عروضها السياسية ودعايتها الانتخابية عبر الاستعانة بخبراء وتقارير المؤسسات الوطنية وبمحترفي التواصل بغية إقناع الناخبين الرفع من نسبة المشاركة أولا ثم التصويت بالإيجاب على أحسن وأصدق البرامج الانتخابية.