جلس بنكيران أمام قارئة الفنجان، متلهفا لمعرفة طالعه المشؤوم في ذلك اليوم المعلوم؛ وقد تملكه الخوف وأخذ منه مأخذه، بعد أن قض مرقده. وإذ هي تتأمل فنجانه المقلوب قالت:
يا ولدي إن فنجانك المقلوب ينذر بفشل مكتوب، بعد أن خدعت هذا الشعب المغلوب.
يا ولدي بئس من نكت وعده، وأخطأ مع التاريخ موعده، فقد جرفك هوى الكراسي، وأقحمت الشعب في بحر من المآسي، ووليت فاشلا بعد أن جعلت الحق باطلا.
لقد صعدتم إلى سدة الحكم على صهوة المطالب الشعبية، بعد أن تجرع الشعب قهرا خطبكم الغوغائية وأحلامكم السرابية، وأغرقتم دماغه بسفاسف كلامكم الطويل المقرف، ثم مارستم عليه حكمكم المجحف.
أعلنتم شعار القضاء على الفساد وتحقيق الرخاء في البلاد، لكنكم أشهرتم صك الغفران فأطلتم عمر الفساد، وعرقلتم أي تطور في البلاد.
صادرتم حرية التعبير، وقلصتم من هوامش التغيير، وقمتم بلجم وتكميم الأفواه الحرة، وتجفيف مداد الأقلام الحرة.
أمطرتموها بشتى أنواع الانتقام، وحشرتموها بين ثنايا السطور وتهم الأوهام.
في عهدكم تحول أشراف البلاد إلى أجساد مزقتها الحكرة، ونفوس حطمتها الحسرة؛ حتى غدا الوطن مأوى للانتحار جراء الظلم والطغيان والتنكر والخذلان، ومزرعة للموت وكأننا أمام كرنفال جنائزي بامتياز؟ في وطن ننتمي إليه بكل فخر واعتزاز.
أشعتم فيهم السخط والتذمر، وجعلتم منهم مواطنين مهمشين، منبوذين ومحطمين.
كسرتم جماجم الأطباء والمدرسين والمعطلين، ومارستم قمع وسحل المحتجين.
رهنتم الوطن بالقروض ولعدة عهود، فأتعستم الفقراء وأغنيتم الأغنياء.
وظفتم الأبناء والأقارب، وألقيتم بأبناء الشعب في دوامة المتاعب.
أوهمتم الأرامل والمطلقات، وحشرتم الزوجات ومكفري الديانات في الانتخابات.
عهدكم اتسم بالقفشات والضحكات وشراء السيارات، واستغلال الأراضي والضيعات وتفويت الصفقات للأقارب والعائلات من مالية أفقر الجهات، وتوليد الحاملات بأبواب المستشفيات.
في عهدكم انفضح أمر الوعاظ والواعظات والاختلاء بحرا بالخليلات.
والآن تتشدقون بمنجزات واهية وكأنكم تستجدون سخاء التاريخ إزاء إخفاقاتكم وفشلكم الذريع، طمعا في الخلود بعد أن تنكرتم لما التزمتم به من وعود.
يا ولدي، لقد انفضحت مساحيقكم الرديئة، وخطبكم الغوغائية البذيئة؛ فنيران محرقتكم تدنو من أقدامكم، وحبل الهزيمة يقترب من أعناقكم.
ظل بنكيران جاثما أمام قارئة الفنجان والألم يعتصر قلبه، والدموع تنهمر من مقلتيه، ثم استفسرها :
ما العمل الآن.
فقالت له:
يا ولدي، ﻻ تذرف الدموع التي لم تعد تجدي نفعا، فقد أهملت أطفالا تذاكر دروسا على ضوء الشموع دون أن تحسن صنعا.
لقد دقت ساعة الخلاص. وفي ذلك اليوم المعلوم ستعرف مصيرك المشؤوم، وسترحل مهزوما مكسور الوجدان، وهذا ما يقوله الفنجان.
أسألك الرحيلا لخير هذا الوطن وخيرنا، فما لك من ذلك سبيلا.
مع الاعتذار للشاعر العربي الكبير الراحل نزار قباني.