السبت 23 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

محمد بن الظاهر:حاجتنا إلى فلسفة الحداثة و ليورغان هابرماس؟.

محمد بن الظاهر:حاجتنا إلى فلسفة الحداثة و ليورغان هابرماس؟. محمد بن الظاهر
الحداثة (modernité) نقيض القدْمة، و المحدث هو الأمر المبتدع، و ذلك في قولنا(العالم محدث)أي له صانع و ليس بأزلي، وعامة تعبر عن سياق التطور التاريخي و المجتمعي الشامل و الذي انخرطت فيه بلدان أوربا، وقد ظهر لفظ "الحديث" في القرن 14م، لكن لم تأخد شحنتها إلا في سنة1850م، على يد كل من (جيرارد دو نيرفالGérarde de Nerval)و(شارل بودليرCharles Baudelaire).
إنه من العسير الإحاطة بمفهوم الحداثة ومشاكلها و فلسفتها وصراعها مع التيار المسمى تجاوزاً "مابعد الحداثة"، لدى من الضرورة الرجوع إلى منبعه الأصل و أخد الحيطة من الإسقاط و اللصق العقيم .
بهذا التأطير المقارباتي لمفهوم الحداثة سنعرج إلى أهم أعلام المدرسة الفركنفورت ومنظر الحداثة الكبير (يورغان هابرماسJürgen Habrmas)،فيلسوف وعالم اجتماع ألماني معاصر يعد من أهم منظري المدرسة الفرنكفورت النقدية و أشهر ممثلي النظرية النقدية الإجتماعية المعروفة في حقل الفلسفة المعاصرة، فرغم الثقل العلمي لأفكار الجيل الأول (هوركهايمر،أدورنو،فروم،ماركوزه...)، إلا أن هابرماس أبان عن نفسه في المشهد الثقافي كفيلسوف الجمهورية الألمانية الجديدة بحد تعبير وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشره.إدن ما حاجتنا به؟.
إن هدف فلسفة هابرماس هو تأسيس لأخلاق تواصلية تقوم على أساس الإعتراف بالآخر و التحاور معه دون إدعاء أي طرف بإمتلاكه للحقيقة، و على رغم من اتسام مشروعه بنقد النتائج المذمرة التي أفضت إليها صيرورة العقلانية، إلا أنه يؤكد تمسكه بالمشروع الحداثي و التنويري، ففي دفاعه عن الحداثة يشير إلى أن ما صاغه مفكرو الأنوار لم ينجز بعد، حيث قال في كتابه" الحداثة وخطابها السياسي": "[...]لدى الفلاسفة الذين يشكلون اليوم ما قد يدعي مؤخرة عصر التنوير، فهم لا يثقون إلا بجزء من أجزاء هذا المشروع، التي إنقسم إليها العقل".
حاول هابرماس إعادة الثقة في الحداثة الغربية بالكشف عن منطق آخر في التطور يمثل عقلانية تواصلية، و يكشف هابرماس عن فرع آخر في العقلنة هي العقلانية التواصلية الإجتماعية.
إن المثقف العربي صفر اليدين من آليات البحث و النقد الموضوعي، وعاجز عن طرح أسئلة كبرى تنم عن وعي حقيقي ودراية تعكس مدى تمكنه، وأُسقِط جانب من جوانب النقد الأصلية وهي التقويم، وتوجيه الأصبع لمكامن الزلل والخلل والعيب، لكن الجملة التي تليق بوضعه الآن هي (نقد مجاملاتي)، نقد قاتل، يزرع في النفوس نزعة ذاتية، وهم الوصل للقمة، لكن واقع النقد العربي يحتضر على حد تعبير محمود الغيطاني في كتابه"زيف النقد و نقد الزيف"(دار فضاءات).
إنها دعوة إلى قراءة تفكيكية لمعالم المشروع الحداثي الهابرماسي . يقول محمد سبيلا "افترض أن لفكر هابرماس، ولتحليلاته حول الحداثة و أسسها الفلسفية، أهمية كبيرة و فائدة جلية للفكر العربي و المعاصر.أولاً أنه يقدم للفكر العربي مادة فكرية ثرية حول الأسس الفلسفية للحداثة[...]ثانياً أن هناك ميلاً في الثقافة العربية المعاصرة و بخاصة في مجالات الأدب و الفن إلى تبني أفكار ما يسمى تجاوزاً"ما بعد الحداثة"[...]ثالثاً يستفيض هابرماس في تتبع و تطوير فكرة هيغل حول الحاجة إلى الفلسفة"(مجلة فكر وفن،عدد92،السنة التاسعة والأربعون2010).
الحداثة ليست فقط إستلاباً أو تشيئاً وقمعاً...، بل تحرير من سجن المقدس و الإنفكاك من المرحلة اللاهوتية، هي تواصل ونقاش.
محمد بن الظاهر، باحث