الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط:حراك الريف في جدلية المخزن والسلطان!

محمد المرابط:حراك الريف في جدلية المخزن والسلطان! محمد المرابط
يتأسس نزوع الانفصال كما يعليه جمهوريو الحراك بأوروبا، على توظيف ورقة حقوق الإنسان، في جانب المساس بها،الفعلي والمختلق .وكذا في جانب خلفية خصوصيات هذه الحقوق الثقافية والتاريخية.وتبرز في الجانب الثاني مسألة استدعاء التاريخ واستحضاره في قراءة حراك الريف.ويظهر في هذا الاستدعاء توجهان:
الأول، يوظف علاقة توتر المخزن بالريف لخدمة أفق الانفصال.حيث تبقى الشواهد التاريخية وبمسحة التجييش فيها مفتوحة على هذا الأفق،حتى وإن لم يتم الإفصاح عن ذلك.
والثاني،يستحضر هذا التوتر في سياق نظرة أوسع لعلاقة المركز بالهامش،والقائمة على الاستغلال والاستبدا، باعتبار أن تاريخ المغرب هو في المجمل تاريخ "حركات"وحملات لترويض القبائل على قبول سياسته الإقطاعية.لكن التجاوزات التي ارتكبت في هذا الباب ،والتي تحفل بها كتب التاريخ ،وهي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، لا تقتصر على الريف فقط،بل تشمل جميع جهات المغرب.كما أن عقلية المخزن كانت دئما غير ملتزمة بتعهداتها،حيث المعروف عن رجالاته-كما يقيم الشيخ العربي اللوه وزير الأحباس في الحكومة الخليفية، حملة ابن البغدادي على قبيلة إبقوين -"المكر والخداع والغدر،متى استعصى عليهم الأمر".ومن ثم كانت مسألة "الثقة" مطروحة تاريخيا،ولا تزال.واستعادة التاريخ من هذا المنظور إنما بغية بناء الدولة الوطنية الديمقراطية،من خلال مغرب الجهات،وتعاقدات الشراكة السياسية.
وأكيد أنه ستبرز في ظل هذا الرصد،علاقة السلطان بالمخزن.وسيربط القارىء بين هذه العبارة،وتطلعي في أكثر من مرة،إلى أن يستكمل الملك دورة انتقاده للأحزاب والإدارة،بانتقاد المخزن.وقد سبق أن قلت إن المخزن يناهض زعامة المتقين ،بما في ذلك زعامة الملك/أميرالمؤمنين.وتكلمت عن تصلب المخزن في حراك الريف،علما أن ملفه يوجد بيد الملك.وقد آن الأوان لبسط هذه العلاقة.
ستكون البداية من واقعة طريفة استفاض ذكرها ،ولكنها تضع التمييز بين السلطان والمخزن.الحكاية تعود لسنة2006،والمناسبة لحظة صورة جماعية للملك مع الفنانين،حيث"طلب محمد السادس من ثريا جبران أن تقف إلى جانبه،قبل أن يلتفت إليها ويذكرها بجملة من مسرحيتها"ياك غير أنا"،قائلا:"دابا ما كاين مخزن ياك؟"،فأجابته وهي تتصنع الجدية:"عندك يسمعونا ويجو يشدونا"،فانفجر الملك ضاحكا".الملك بدعابته فصل بين الملك والمخزن،ليمنحها الاطمئنان.والفنانة القديرة بنفس الروح نبهت إلى هاجس التجسس عليهما و وضبطهما واعتقالهما،فتفاعل الملك مع ثريا بالشكل الذي وثقته الصور.
هذا التمييز على لسان الملك حملني على الوقوف مليا في"الظل الوريف في محاربة الريف"،للقاضي أحمد سكيرج،على حملة محمد بن بوشتى البغدادي على قبيلة إبقوين،"على ما يصدر منها في الشواطىء البحرية"،لما نصحه القاضي عبد الكريم الخطابي والد مولاي موحند بمعية أشياخ قبيلة آيت ورياغل،بالاقتصار في حملته على قبض من يقوم بذلك وهم "معروفون،وعددهم لا يتجاوز الثلاثة عشر نفرا(..)من غير إراقة دماء رجال ولا إضاعة مال "،لكن جواب البغدادي حدد "ما يقصده المخزن من تربية قبيلة بقيوة"،بأنه"لا بد من الضرب على القبيلة المذكورة،ليسمع الناس أن المخزن تصرف فيها،وأن كلمة المخزن نافذة في هذه القبيلة وغيرها".وبالجملة فإن تفنن جيش هذه الحملة في المناكر،"لم يدع قلبا سليما من الحقد على المخزن".
وكما نلاحظ فالنصوص التاريخية، تتحدث عن "كلمة المخزن"،و"الطاعة للمخزن"، وتستبعد السلطان،لأن المخزن أكبر من السلطان،وهو يسكن داره.لذلك لم نجده يدافع عن شرعية محمد الخامس لما نصبت الحماية ابن عرفة،بل الذي دافع عن هذه الشرعية/المشروعية هو الشعب.وقد يحمل هذا التوصيف تفسيرا لراحة صاحب الأمر في الإقامة خارج "دار المخزن".
ويجرنا هذا الجانب إلى الحديث عن بداية نظام الحماية،حيث كانت هناك حكومة الحماية يرأسها المقيم العام، والحكومة الشريفة،وهي حكومة"دار المخزن"،ويرأسها السلطان وتتكون من الصدر الأعظم ووزراء العدل والأحباس والتعليم.لكن النضال الوطني من أجل التحرير والديمقراطية، سينتقل بمحمد الخامس من مقام "السلطان" إلى مقام "الملك"،في إطار التحديث السياسي بتجاوز التمثلات الدينية السلبية عن هذا المقام،والتي تعيد فيها الأصولية الكلام بالملك العاض .وفي إطار مسلسل هذا التحديث نتطلع الى انتقاد محمد السادس للمخزن،وقد تبنى-روح القدس معه -شعارات الحراك.
ومن باب الإشارة،فالمخزن وهو من تراتيب الدولة الموحدية، توسع مجاليا إلى تونس مع الحفصيين،وإلى الجزائر مع بني عبد الواد في تلمسان.فالمخزن هناك أصبح في صيرورته جمهوريا،وهنا عندنا يحرص على التماهي مع السلطان/الملك.كما تضخم في مدلوله،فأصبح بمركبه المصالحي عائقا أمام التحديث السياسي والعدالة الاجتماعية،وبناء منطق الدولة الوطنية الديموقراطية.وكما قال المرحوم الجابري فإن بناء الديمقراطية يمر عبر الوعي بأصول الاستبداد.لذا وجب الفصل بين المخزن والسلطان.ولعل في هذا الفصل مدخلا للحل السياسي لملف حراك الريف!