الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

التوبالي: ظاهرة "العلاكَة" أفسدت الأعراس في الأقاليم الصحراوية

التوبالي: ظاهرة "العلاكَة" أفسدت الأعراس في الأقاليم الصحراوية أمينة التوبالي

شكل مقطع الفيديو الذي تم تداوله بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتعلق بعرس صحراوي يرمي فيه الزوج على زوجته بالأوراق المالية من فئة 200 درهم، موضوع تعاليق متناقضة بين مشيد بهذه العادة ومنتقص منها.

"أنفاس بريس" التقت الفاعلة الجمعوية،أامينة التوبالي، فكان معها الحوار التالي:

+ كيف تحولت "لعلاكة" من طقس يعبر عن تكريم المرأة إلى أمر منبوذ؟

- ظاهرة "العلاگة" في أعراس البيظان كانت مرتبطة بـ "تحمجي"، أي حماس من أفراد ينتمون لعائلات العرسان في تنافس تام بينهم.. قد تكون هذه "العلاگة" أو ما يصطلح عليه في الشمال بـ "لغرامة" للفنانين والشعراء لتشجيعهم حتى تحلى الأنغام ويكثر الإبداع، وتكون أيضا حينما ترقص الفتيات وحتى الرجال من المقربين، وتتضاعف بكثرة لو تعلق الأمر برقصة أم العريس أو شكر أهل العروسين أو أحد مشايخهم الذي يحظى بقيمة معنوية عند الجميع. إلا أن الأمر جعل الشعراء والفنانين يشيعون ظاهرة الشكر والمدح القبلي بغية المزيد من "العلاگة" حتى لا تقتصر على أسرة العروسين، ولكن بغية توسيع دائرة "العلاگة"، حيث كل من سمع قبيلته أو قبيلة أبنائه أو أخواله تشكر قد يأتيه الحماس للمساهمة.. هذه الظاهرة شبه قديمة، لكن لم تكن بنفس الأساليب ونفس المحتوى، وكان المهم في العرس هو سماع الهول والطرب الجميل.

بروز هذه الظاهرة أفسد طعم حفلات الأعراس في الأقاليم الصحراوية، فلم يعد لها ذلك النمط الجميل الذي كانت تحج الناس إليه من غير دعوة، فقط للاستمتاع بما ستحمله جعبة الفنانين.. الجيل السابق يسخر من هذه الظواهر ويعاتبون العائلات على قبول شكر الفنانين الذين ينشطون الحفلات بعشرات آلاف الدراهم، خصوصا "إيكاون" ولا يؤدون واجبهم الفني الذي أتوا من أجله، يحولون السهرة أو الحفل إلى حلبة صراع للشكر والمدح، ويجنون الأموال الطائلة، وينتهي الحفل. الجيل السابق يقول "احنا اثرنا جلد نحانوا شكون يشبحنا.."، في إشارة أنهم ليسوا في حاجة لمن يريد نفخهم حتى يدفعون له ثمن ذلك..

+ هل هي امتداد لعادة "بونتي" القادمة من موريتانيا؟

- فعلا، الظاهرة التي أضحت منذ أربع سنوات تقريبا، وليست عادة ولا تقليدا، أطلقوا عليها "بونتي العروس" استبدلوها بما يعرف بـ "العادة"، وهي عادة كانت معروفة حين يأتي العريس في الصباح لرؤية العروس، فتوزع أخته أو وزيره على الحضور أو تشتت العادة المتكونة من الحلوى والفواكه الجافة على الحضور، في إشارة إلى أن كل من تذوق من تلك الوزيعة فإنه سيعيش الأفراح..

كان ذلك جد بسيط وله قيمته المعنوية عند الصغار والكبار.. اليوم، "بونتي" أصبحت مكونة من أنواع الحلوى والشكولا الفاخر، وتأتي فيها مجموعة من الهدايا غير تلك التي أتت في "الدفوع"، وهي مكونة من العطور الفاخرة والأحذية والألبسة والحقائب اليدوية وحقائب السفر، من أجود الماركات، إضافة الى "العلاگة" الخاصة بالعروس أمام أهلها وصديقاتها، وهم يتفاخرون بحجم وقيمة تلك الأوراق والهدايا ماديا أمام شاشات الكاميرات الصغيرة والكبيرة.. هذه العادة دخيلة على العروس الصحراوية، والتي أصبحت تظهر فيها مكشوفة الوجه..

+ ما الذي تمثله هذه العادة في المجتمع الصحراوي؟

- أولا، موقفي الشخصي هو أنني ضد كل هذه العادات المبذرة للمال، ثم لأن البعض، وخصوصا من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، انخرط إلزاميا رغم ضعف إمكانياته في هذه الظواهر على أساس أنها تقاليد.. وللأسف الشديد هناك منافسة يوميا، حيث أصبح الإبداع يتجدد بشكل يومي في مثل هذه الظواهر، خاصة وأن الغرض من هذا كله هو التباهي عبر شاشات الهواتف وفي مجموعات التواصل الاجتماعي..

أعي جيدا أن مجتمعي توجد فيه هوة اجتماعية صارخة، ولا يمكن للأغلبية الفقيرة أن تقلد الأقلية الغنية، خاصة أن ذلك المال المهدور لا يستفيد منه أحد أطراف العرس، فهو يذهب للعامة وأغلب الموظفين يلجؤون إلى اقتراض بنكي وبفوائده يرمى للآخرين.. في مجتمعنا يعطون الاهتمام للواجهة وينسون العمق، حيث أغلب المتزوجين ينشغلون بالبهرجة ولا يهمهم الأساس، وهو البيت الذي سيعيشون فيه، مما يجعل العريس يعيش في أزمة بعد الزواج: اقتطاع من البنك، التزامات تأجير البيت، خصوصا وأن أغلب المقبلات على الزواج، لا تقبل ببيت مشترك، حيث تظن أن مستوى الحفل ستعيشه طيلة حياتها، لتصطدم بالواقع المتأزم الذي قد يتسبب في جدل على حجم المتطلبات التي لا يمكن توفيرها، مما يؤدي إلى الطلاق أحيانا، شهورا قليلة بعد الزواج.

أغلب المجتمعات العربية، وعلى سبيل المثال دولة السودان، نظمت مؤتمرات وندوات فكرية لمحاربة العادات الضارة حتى لا تورث للأجيال الأخرى في مجتمع منطقة الساحل خصوصا.

كل مناسبة تولد عادة وتنقل للمناسبات الأخرى حتى كثرت العادات واختلط الموروث بالمقتبس، والمشكل أن ذلك يتناقض بشكل تام مع أعراف الشريعة، حيث فيه تكلفة على النفس، ويتعارض أيضا مع الواقع السوسيو-اجتماعي، حيث نسبة الفقر والبطالة وضعف القدرة الشرائية في الصحراء.