سيدي وزير المالية، الذي كان واليا على الدار البيضاء، والذي كان واليا على سوس ماسة، والذي كان وزيرا للوظيفة العمومية، والذي كان وزيرا للسياحة والصناعة التقليدية..
سلام تام ودامت لكم الوزارات والمقام وبعد:
لقد وصفت أيها المدوخ الكبير أبناء شعبنا من الشباب والنساء والمثقفين وعموم المستهلكين المغاربة بالمداويخ، لأنهم نظموا حملة لمقاطعة بعض المنتوجات الأساسية مرتفعة الأسعار... ومع أن ذلك من حقهم حرصا على سلامة الأمن الاجتماعي الذي تهدمه بعض الشركات التي لا يهمها سوى الربح السريع، ولو على حساب الفئات المقهورة أصلا، فإنه لابأس أن تقبل منا بعض الرد على وصفك القبيح لأبناء شعبنا بالمداويخ.
إن المداويخ حقيقة هم من صوتوا على أمثالك لتسيير هذا التخلف المستمر الذي تعيشه بلادنا في كل مناحي الحياة، والذي أقر به ملك البلاد حين أعلن عن فشل النموذج الاقتصادي المغربي الذي يقف ورائه نماذج مثلك من السياسيين الذين تحملوا عدة مسؤوليات منذ فترة ليست بالقصيرة..
إن اكتواء المواطنين المغاربة الذين وصفتهم بالمداويخ بالتهاب وارتفاع الأسعار، كل الأسعار، هو الدافع إلى تنظيمهم والتفافهم حول تمرين مقاطعة بعض السلع الأساسية كالوقود والحليب والماء... وهي مواد حيوية، رفع رئيس الحكومة التي كنت ولازلت تنتمي إليها عنها الدعم وشرع الأبواب أمام المضاربة وسرقة جيوب المواطنين حين تنخفض أسعار الوقود في السوق الدولية دون أن تنخفض في السوق الداخلية.. أين الوطنية أين المقاولة المواطنة..؟
هل تعلم أن سعر قنينات الماء بالمغرب من أعلى الأسعار في العالم؟ دون الحديث عن باقي المواد من اتصالات وزيت وغيرها... مع أن تكلفة الإنتاج ضعيفة، بحكم أن الماء مادة مغربية طبيعية فهل شركاتنا يصنعون الماء..؟
هل تعلم يا كبير المداويخ أن سلاسل إنتاج الحليب قد تقلص عدد منتسبيها من الفلاحين الصغار بسبب جشع شركات إنتاج الحليب التي تستغل الفلاح وتستغل المستهلك في آن واحد واستعاضت عن ذلك بإقامة وحدات خاصة وكبرى لتربية الأبقار وجلب طحين الحليب المستورد بعد إفلاس الفلاحين الصغار الذين كانت تحوز لتر الحليب منهم ب 2.50 وتعاود بيعه بثلاثة أضعاف؟!!..
هل تعلم يا كبير المداويخ أن أسعار المواد الأساسية ارتفعت أضعاف المرات ورفعت عنها حكومتك المدوخة الدعم دون أن يتحرك سلم الأجور بشكل جدي منذ ثلاثين سنة؟ هل تعلم بأن وزارتك وحكومتك لا توفر أدنى وسائل الحماية للمستهلكين العزل الذين تنهش رواتبهم البئيسة شركات لا يهمها سوى الربح السريع؟..
هل تعلم يا كبير المداويخ أن سلاح المقاطعة ليس هدفه تخريب المقاولات وتسريح العمال كما تقول لكن هدفه خفض الأسعار وحماية المستهلكين وحقهم في استهلاك ثروات بلادهم بأثمنة مناسبة ومعقولة؟..
هل تعلم يا كبير المداويخ بأن الشعب لم يعد يثق بألاعيبكم البهلوانية والسحرية. فمرة ينسب لحراك الريف أنه ممول من الخارج والجزائر والموزنبيق... وينسب لمطالب جرادة وحقها في الحياة، أن وراءهم العدميون، واليوم يراد لسلاح المقاطعة الفعال أن ينسب لجهة سياسية مع أنها منبع كل هاته المصائب.
كفوا عن ذلك يا سيدي المدوخ، إن وعيا جديدا تبلور ويتبلور كل يوم لدى المغاربة أبناء أربعة عشر قرنا من الحضارة يعبرون فيه بشكل سلمي وحضاري عن رفضهم لاستمرار مغرب الفوضى والقطيع واستبداد فئة قليلة بمقدرات البلاد والسير بها نحو الظلام والسفح العميق..
يا سيدي وزير حكومة المداويخ، إن مما توجبه عليك مسؤولياتك والتزاماتك الأخلاقية والدستورية والوطنية أن تستعجل بتشكيل لجنة مستقلة من الخبراء لتقييم الأسعار، وخاصة المواد الأساسية وتقويمها وتقنينها ومراقبة مراحل إنتاجها وجودتها، وإخضاعها للتعرفة المرجعية الوطنية صونا لسلامة المستهلكين وأمنهم الاجتماعي، وصونا للأمن الوطني العام، لا أن تنبري للدفاع عن اخوانك في الحزب الذين راكموا الثروات على حساب مصروف المواطنين الهزيل..
وفي الختام يا سيدي كبير المداويخ إن مقاطعة بعض المواد هو أمر طبيعي وحضاري في كل البلاد الديمقراطية، ويفرض عليك منصبك الوزاري وليس الحزبي أن تلزم الحياد وأن تفتح عينيك على نبض المجتمع وتسعى لرأب الصدع، لا أن تزيد في وطيس الاشتعال، كما لا تنسى وأنت خريج المدرسة الفرنسية ووزيرا للاقتصاد والمالية أن تنهل من قاموس الاقتصاد وجهازه المفاهيمي وأن تبدع الحلول لا أن تغرف من معجم السوقية والتخلف وتصف حركة سلمية مدنية حضارية بالمداويخ.
ـ أمين لقمان، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي