أهمية موسم روابط "الذاكرة والمجال" تكمن في تفرده بخصوصية متميزة، ارتكزت بالأساس على الجانب الفكري والثقافي والتواصلي، من خلال ندوته العلمية والتاريخية، التي فتحت شهية نقاش مثمر بين النخبة والمجتمع. ندوة أنطقت المثقف والمفكر والإعلامي والباحث والسوسيولوجي قصد بناء جسر المعرفة التاريخية بالقيم المشتركة التي يسعى "روابط" للكشف عنها وتثمينها وإحيائها وتوثيقها، والمضي بها قدما نحو أفق أكثر رحابة. ندوة أخرست مروجي الانفصال والتعصب والتطرف.

"إن النسخة الأولى لموسم روابط بعاصمة الرحامنة مدينة بن كرير، شكلت ردا قويا على كل من يريد أن يستفز شعور المغاربة ويتجاوز الخط الأحمر على مستوى القضية الوطنية، وخصوصا حينما يأتي الرد من فوق تربة مسقط رأس قيادات البوليزاريو بالرحامنة؛ وتسلط كشافات الحقيقة على اللحمة الوطنية الطيبة بين أهالي القبائل وإخوانهم الذين حلوا ضيوفا من أقاليمنا الصحراوية"، يقول حسن الطالبي، أحد ضيوف الرحامنة من منطقة الداخلة.

مهرجان روابط الذي اختارت له جمعية التراث الشعبي والعمل الخيري بالرحامنة شعار "الرحامنة والصحراء أصول مشتركة". وترجمته توثيقا من خلال كتاب الدورة الأولى "موسم روابط الرحامنة/ الذاكرة والمجال"، والذي أبرزت مقالاته الروابط المشتركة بين الرحامنة والصحراء على المستوى الثقافي والروحي، حيث ساهم في تأليفه ثلة من الباحثين والدارسين والمثقفين من أبناء الرحامنة المعروفين على المستوى الوطني والدولي.

في هذا السياق ثمن الدكتور عمر الإيبوركي، كل ما قاله الدكتور الأستاذ محمد ناجي بن عمر، منسق ندوة تقديم كتاب "الذاكرة والمجال" لجريدة "أنفاس بريس"، موضحا أن مقالات الكتاب "تناولت جوانب مختلفة من هذه الذاكرة الجماعية المتمثلة في قضايا تهم القبيلة ومراحل تنقلها واستقرارها بالمجال الجغرافي الموجودة فيه الآن". وأضاف الأستاذ ناجي بن عمر أن مقالات الأساتذة الباحثين والمفكرين التي احتضنتها دفتي كتاب "الذاكرة والمجال" قد "درست مسائل هذه الهجرة من الصحراء، من حيث دوافعها وانعكاساتها مع ما يرتبط بها من قضايا مثل البداوة والترحال والثقافة الصحراوية الأصلية وأشكال تمركزها بأحواز مراكش مع تثميل لهذه الهجرات بقبائل صحراوية (الركيبات ويكوت) وفخدات من (عريب النواجي ولمرابطين)، كما تناولت الحضور الرحماني في الكتابات الغربية التي ركزت على جوانب سوسيولوجية، وأنثروبولوجية، وإثنوغرافية من قبيل: الأصل اللباس وأشكال التزيين والتغذية والأغاني والمراثي، والألعاب الجماعية والزواج والعقيقة والأعراس والحفلات وطقوس الاستسقاء والاستجفاف....)، مع ما يثير ذلك من أسئلة وقضايا قابلة للمراجعة والتحليل.

حدث افتتاح موسم روابط يوم الخميس 12 أبريل 2018، حضرته كل المؤسسات الترابية والإدارية والمنتخبة، والقطاعات الحكومية بجهة مراكش أسفي، والفعاليات الجمعوية والمدنية ومختلف المنابر الإعلامية والقنوات التلفزيونية، حيث أضاء سماء الموسم نجم الأغنية المغربية الأصيلة الفنان محمود الإدريسي، الذي صدح بصوته رفقة الآلاف من جماهير "روابط" الرحامنة والصحراء، مرددا أغنية "عيشي عيشي يا بلادي عيشي" على إيقاع أسراب الخيول والفرسان، وسباق الهجن، والفرق الموسيقية الشعبية ذات الأنماط الغنائية المختلفة (حمادة بوشان/ لحرارشة/ مخاليف الحوز/ حجيب/ الميلس/ التكادة/ مجموعة سلم وبنات عيشتا/ مجموعة صلاح البوعزاوي....).

وأعرب مدير مهرجان روابط الدكتور نور الدين الزوزي عن سعادته بنجاح النسخة الأولى بكل المقاييس، وقال منتشيا للجريدة "لقد أحيا موسم روابط الصلة، ورسخ القيم، وبني الجسور، وكشف عن كنوز الرحامنة والصحراء وثمنها وحصنها، وأشرك الفارس على صهوة جواده، والشاعر على صهوة هجنه، وصدح صوت التراث الحساني على نغمات موسيقى الصحراء الخالدة، وامتزج مع نداء التراث الغنائي الشعبي الحوزي، وأصوات فنون العيطة الساحرة."

ضيوف روابط من الأقاليم الصحراوية خصصوا اليوم الثاني من الموسم لزيارة مواقع أثرية ومقابر تحتضن أرواح أجدادهم وآبائهم ببعض الجماعات الترابية، والتأموا على موائد الكرم، يتبادلون وجهات النظر حول التاريخ والذاكرة والمشترك. وتحول موسم روابط بإقليم الرحامنة إلى فضاء للتراث الحساني والصحراوي على جميع المستويات. وأكدوا لجريدة "أنفاس بريس" أن الحوار الجدي الذي باشرته جمعية التراث الشعبي والعمل الخيري بالرحامنة، مع مختلف الفرقاء والشركاء بمؤسساتنا الوطنية والجهوية والإقليمية والمحلية، رسم فعلا ملامح تظاهرة ثقافية وازنة، تجمع بين الثقافة والفكر وتمزج بين الفن والتراث والموسيقى والغناء. و"التراث المادي واللامادي"، لإبراز تلك الخصوصيات الجميلة في موروثنا الشعبي المشترك بين الرحامنة والصحراء... في القيم والعادات والطقوس والتقاليد والأعراف... وكانت انطلاقة جديدة لفعل تراثي وثقافي جاد عنوانه "موسم روابط".