كُنْتُ أنتظر أن يطرأ طارئ في الحياة السياسية المغربية يُخْرِجُنا من وضع ألفناه كثيرا نظرا لتكراره إلى حد التقزز وإذ بكلمتين تغيران الكثير من المعطيات والحقائق، هاته الكلمتان السحريتان سيكون لهما وقع كبير خلال الحملة الانتخابية القادمة وما بعدها...
كلمتان هما: الخيار الثالث... لا أدري من كان له شرف التفوه بهما، لكنهما أصبحتا، اليوم، تؤثثان سياسة الحزب المغربي المعارض، الحزب الاشتراكي الموحد، الذي قاطع دستور الربيع المغربي سنة 2011 وكذا الانتخابات السابقة لأوانها في نفس السنة والذي قرر بعد مخاض عسير التنافس على مقاعد انتخاب برلمان 2016... تُذَّكِرني هاتان الكلمتان من حيث قوتهما ووقعهما وسهولة انتشارهما، بشعار باراك أوباما "يس ويكان" وكذا شعار حزب بوديموس الإسباني "سي سبويدي" وهما يَعْنِيَان "نعم نستطيع"...
الخيار الثالث للحزب الاشتراكي الموحد المغربي يعني أن هذا الحزب هو خيار آخر بالنسبة للمغاربة وهو خيار يتعارض مع الخيارين الرئيسيين المتنافسين بقوة على المرتبة الأولى في الانتخابات العامة للسابع من أكتبر 2016، وهما خيار "الأصولية الدينية" ويحيل على العدالة والتنمية والخيار الثاني "الأصولية المخزنية" وهذا الأخير يحيل على حزب الأصالة والمعاصرة، ويستعمل أيضا مصطلح "الخيار الاشتراكي" في مواجهة "الاستبداد الديني" و"الاستبداد المخزني"...
ولكن كيف للخيار الثالث أن يربك الحسابات وهو صادر عن حزب صغير لا تمثيلية برلمانية له اليوم وإشعاعه محدود؟ هذا عمق السؤال... يبدو لي أن ما يقع اليوم لم يكن منتظرا البتة ولا مطروحا كاحتمال في سيناريوهات دوائر القرار... وهو مفاجئة للجميع، سارة للبعض ومخيفة للبعض الآخر... إذ كيف يمكن فهم الهجوم الكبير والمفاجئ على رئيسة الحزب الاشتراكي الموحد غداة خروج وتداول كلمتي "الخيار الثالث" إذا لم تكن مراكز القرار قد فطنت إلى الشرخ الذي أحدثته هاتان الكلمتان في المعركة السياسية وتأثيرهما على التنافس الانتخابي خاصة منافسين اثنين هما حزبا الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية...
الجميع يرى كيف أن الحملة القوية ضد نبيلة منيب رئيسة الحزب الاشتراكي الموحد، يقودها وبكل الوسائل، أعضاء بارزون من الحزبين المذكورين أعلاه وأن الحزب الآخر، العدالة والتنمية، المعني أيضا بمقولة "الاستبداد الديني" وكأنه غير معني بتاتا بالموضوع بل يمكن أن يستشف الملاحظ أنه مرتاح لما يقع لأن المعركة الحالية أماطت اللثام عن حقائق عديدة ونفست عنه الكثير ما دام هو الوحيد الموجود في فوهة بنادق حزب الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأطراف علنية وخفية كثيرة... سنوضح الأمر أكثر...
منذ صعود الإسلاميين إلى الحكومة عبر صناديق الاقتراع سنة 2011، وترأسهم للحكومة وتبوأهم صدارة الأغلبية البرلمانية ب 107 مقعدا، وجهات عدة تفكر في السبل للإطاحة بهم... ومع مرور الوقت، اهتدت جهات لتسطير استراتيجية مفادها أن الصراع في المغرب لم يبق ذلك المتعلق بمحاربة الفساد والاستبداد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، بل أصبح مابين الحداثيين والإسلاميين.. من بعد بَدَأَ تصنيف الحداثي، من خلال إعلام قوي وموجه، إلى أن وصلنا إلى كون الحداثي هو اليساري بكل تصنيفاته خاصة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وكذا كل معارض لإسلاميي العدالة والتنمية ويدخل ضمن هذه الخانة، حزب الأصالة والمعاصرة، وأيضا كل من عارض سياسة الحكومة أكان جمعويا أو إداريا أو إعلاميا أو مقاولا... أما الإسلاميين فكانت مخصصة لحزب وحيد هو العدالة والتنمية وأحيانا كثيرة لشخص واحد هو عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام للحزب...
هذا السيناريو الذي تم الاشتغال عليه مدة طويلة والذي اعتقد البعض أنه سيؤثت المشهد الانتخابي المقبل سقط بكلمتين اثنتين هما "الخيار الثالث"، الذي فند ادعاء أن المعركة هي ما بين توجهين وأن طرفا معينا "اغتصب" صفة ليس أهلا لها ولا علاقة له بها وهي الحداثة واليسار... هكذا نفهم أن الذي يمثل حقيقة الحداثة واليسار بمفهومهما التاريخي هو الحزب الاشتراكي الموحد، صاحب الخيار الثالث، وليس حزب الأصالة والمعاصرة الذي تصفه نبيلة منيب بالحزب "المخزني الاستبدادي" ولا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي أصبح بعض قيادييه من خدام الدولة الأوفياء...
هكذا، ومن حيث لا ندري، دخلنا مرحلة سياسية جديدة سَتَقْلِبُ الكثير من المفاهيم وتَخْلِطُ الكثير من الأوراق ولا أحد يعرف ما ستتمخض عنه يوم الاقتراع... ما دامت أورق كثيرة ستسقط، ومن ضمنهما ورقة الحداثة واليسار من يد حزب الأصالة والمعاصرة المدعو اليوم للتفكير في البحث عن أوراق أخرى لمواجهة خصمه الكبير العدالة والتنمية، وكذلك ورقة الحزب اليساري الرئيس، هل هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مع كون اثنين من قيادييه البارزين استفادوا من أراضي كلم 9 أم حزب نبيلة منيب ومحمد الساسي، أحد أبرز قيادات اليسار داخل الشبيبة الاتحادية والاتحاد الاشتراكي قبل ان يلتحق بالاشتراكي الموحد...
واليوم، الحلقة الأضعف، هي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وخسارته لفريقه البرلماني وستكون هاته النكسة الكبرى في جسد الحزب ومن تم فقدان كل مصداقية لتحالف البام والاتحاد الاشتراكي وتقديمه كمحور حداثي يساري ديمقراطي في مواجهة الظلامية والإسلاموية... الاتحاد الاشتراكي ضيع الكثير من بريقه وزادت فضيحة خدام الدولة من تعميق جراحه ويمكن أن يشكل تنافس "الخيار الثالث" الممثل في الحزب الاشتراكي الموحد، على أصوات فئة من ناخبي اليسار المسمار الأخير في نعشه... لقد كان قرار تخفيض العتبة من 6 بالمائة إلى 3 بالمائة يرمي إلى تقليص عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية ولكن أساسا لتمكين حزب الاتحاد الاشتراكي من الحصول على فريق برلماني... هل سيسقط هذا السيناريو بكلمتين لم يتنبأ بهما أحد وهما الخيار الثالث وتحصل المفاجئة بتفوق الحزب الاشتراكي الموحد على الاتحاد الاشتراكي أو حرمانه من الأصوات الكفيلة بحصوله على فريق أم هما معا... والحال، ولنا فيما حدث مع حزب "بوديموس" الإسباني الذي كاد أن يخلق المفاجأة ويزيح الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني من قيادة اليسار والمعارضة أوضح مثال...
لذا يمكن أن نستنتج أن رأسان مطلوبان بإلحاح، واحد منذ زمن بعيد، نظرا لثقل حضوره وشعبيته وقدرته على تحمل الضربات تلو الأخرى ولقوة تنظيمه الحزبي وتماسك قيادته، ألا وهو رئيس الحكومة والكاتب العام لحزب العدالة والتنمية، المرشح رقم واحد لربح الانتخابات وترأس الحكومة لولاية ثانية؛ أما الثاني فهو لرئيسة الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، المرأة ذات الشعبية الصاعدة في المغرب واليسارية التي عرفت كيف تختار الكلمات المعبرة عن هموم فئة عريضة من اليساريين الذين كانوا مسجونين بين خيارين يرفضونهما وفجأة فتحت لهما باب الأمل من خلال الخيار الثالث، الخيار اليساري الديمقراطي الذي كان يتبناه سابقا حزب الاتحاد الاشتركي للقوات الشعبية...
رأسان مطلوبان، عبدالإله بنكيران ونبيلة منيب، رغم تعارض سياساتهما ونهجهما ومبادئهما... وللحديث بقية...
كتاب الرأي