السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: قضية الصحراء المغربية.. جمهورية المخيمات وسراب إثبات الذات

عبد القادر زاوي: قضية الصحراء المغربية.. جمهورية المخيمات وسراب إثبات الذات عبد القادر زاوي

معركة قرار مجلس الأمن الدولي المرتقب صدوره نهاية هذا الشهر حول قضية الصحراء المغربية حامية الوطيس هذه السنة، ومحملة بمخاطر جمة؛ لأنها لا تقتصر، كما جرت العادة في السنوات الماضية على تبادل التراشق الإعلامي، والتحرك في الكواليس الدبلوماسية والتسابق حول استمالة عواصم القرار الدولي أو تحييدها، وإنما تدور أساسا حول وقائع ذات طبيعة عسكرية تجري على الأرض، وتهم الإنسان ومستقبله في هذه المنطقة.

وإذا كان المغرب قد التزم أمام الجميع بالسعي إلى تنمية تلك المناطق ومنح الفرصة كاملة لساكنتها للاستفادة من خيرات المنطقة، فإن ميليشيات جمهورية المخيمات ظلت أسيرة السعي لتغيير الوقائع على الأرض من الناحية العسكرية فقط، مؤملة إحداث التأثير الإعلامي الذي من شأنه حرف مسار الحل السياسي المطلوب دوليا وإقليميا عن قاعدته الأساسية المتمثلة في التفاوض بحسن نية من أجل إيجاد تسوية مقبولة لدى كل الأطراف وليست مفروضة عليها.

وغير خاف على أحد أن هذا السعي بدأ من طرف تلك الميليشيات منذ السنة الماضية حين فاجأت المراقبين بتمركز بعض من وحداتها في المنطقة العازلة الممتدة على مسافة حوالي خمس كيلومترات بين النقطة الحدودية الكركرات والحدود الموريتانية الدولية؛ الأمر الذي استدعى حينها تحركا مغربيا قويا لم تجد معه الأمم المتحدة بدا من إجبار الميليشيات الانفصالية على إعادة الوضع في المنطقة إلى ما كان عليه قبل مغامرتها.

إن عودة الوضع في تلك المنطقة إلى ما كان عليه، وانسياب الحركة التجارية من جديد بين المغرب وموريتانيا اعتبرته ميليشيات البوليزاريو جمودا جديدا في ملف القضية لا يخدم مصالحها على المديين القريب والمتوسط معا، سيما وأن المغرب يصر على ألا تكون العودة إلى طاولة المفاوضات تحت رعاية المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بدون شروط مسبقة، وإنما على قاعدة مناقشة مقترحه للحكم الذاتي، الذي زكت العديد من القرارات الدولية جديته ومصداقيته.

وبما أن ورقة الكركرات قد سحبت منها بعد أن تبين أنه لا يمكن لعبها دون إثارة بعثة المينورسو، فقد اهتدت الميليشيات الانفصالية إلى إمكانية القيام بشد الانتباه الدولي عبر السعي إلى تغيير الوضع في مناطق أبعد عن مجال الاحتكاك المباشر مع القوات المسلحة الملكية المغربية المرابطة في الجدار الأمني. وهذا ما قامت به من خلال الشروع في بناء منشآت ذات طبيعة عسكرية وإدارية في مناطق بير لحلو وتيفاريتي، بل وفي منطقة الدوكج في أقصى جنوب المنطقة العازلة.

لقد اعتادت ميليشيات جمهورية المخيمات على القيام بدوريات متحركة في كل تلك المناطق من دون أن تكون لديها مراكز ثابتة، وتعودت وحدات بعثة المينورسو المرابطة شرق الجدار الأمني على مراقبتها مانعة أي احتكاك بوحدات القوات المسلحة الملكية المتمركزة خلف الجدار. فلماذا عمد الانفصاليون في هذا الوقت بالذات إلى القيام بهذه الخطوات الاستفزازية وحرصوا على تسليط أضواء إعلامية دولية عليها، رغم إدراكهم بأنها تشكل خرقا سافرا لقرار وقف إطلاق النار؟

إن متابعة ما يصدر عن الانفصاليين وعن ولي أمرهم، وقراءة كل خطواتهم وتحركاتهم توضح أن استراتيجيتهم ترتكز على التصعيد لعدة أسباب أهمها :

- القطع مع حالة الجمود في الملف التي يعتقدون أنها تساهم في تآكل شرعيتهم وقواعدهم أيضا، خصوصا وأن المشاريع التنموية المعلن عنها في الأقاليم الجنوبية بدأت تسترعي اهتمام الكثيرين بمن فيهم قطاع واسع من الشباب المحتجز في المخيمات.

- الرغبة في إثبات الذات والإيحاء للمجتمع الدولي بأنه إزاء مؤسسات "دولة قائمة الذات ولها سيادة على الأرض" في خطوة يراد بها تكريس الواقع الجديد داخل الاتحاد الإفريقي حيث يجلس المغرب وجمهوية المخيمات تحت سقف واحد وعلى نفس المستوى.

- السعي إلى إضافة بعد آخر مستجد للصراع ومحاولة تسويقه هذه المرة كصراع حدودي بين دولتين جارتين عضوين في نفس المنظمة الإقليمية، خاصة مع بروز أصوات إفريقية تهمس بضرورة مقاربة الملف من هذه الزاوية بما يسمح لبعض مؤسسات الاتحاد الإفريقي بإيجاد موطئ قدم في إمكانية حل هذا النزاع، في محاولة للالتفاف على تأكيد الأمين العام على الدور الحصري للأمم المتحدة للنظر في حل هذا النزاع المفتعل.

ولهذا من غير المستبعد أن تردع ميليشيات المخيمات عما هي وولي أمرها بصدد التخطيط له، خصوصا وأنها على قناعة بأن المجتمع الدولي، من خلال مجلس الأمن، لن يواجه تصرفاتها الاستفزازية برد فعل حازم وصارم، كما استنتجت من خلال تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي جرى رفعه قبل أيام معدودة إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي.

إن نهجها في التصعيد سيتواصل حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن بتمديد ولاية بعثة المينورسو لمدة سنة كما جرت العادة. ومن المنتظر ألا يقتصر على الاستفزازات العسكرية التي يخشون تطورها إلى صدام مباشر مفتوح، وإنما سيركز بصفة خاصة على تكثيف الاتصالات الدبلوماسية الرسمية، والضغوط التي يمكن أن تمارسها منظمات المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا المتعاطفة مع الأطروحات الانفصالية.

وإضافة إلى ما تعتبره الميليشيات انتصارات قانونية حققتها في الآونة الأخيرة (حكم المحكمة الجنوب إفريقية بمصادرة شحنة فوسفاط مغربية وبيعها في المزاد العلني، وحكم محكمة العدل الأوروبية حول المنتجات القادمة من الأقاليم الجنوبية وعدم اعتبارها مشمولة باتفاق التجارة الحرة بين المغرب والاتحاد الأوروبي) لا شك أنها ستوظف إلى أبعد مدى كل الانتقادات التي تضمنها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة  للمغرب بما فيها تلك الضمنية، والتي يمكن أن تقرأ من خلف السطور.

فما العمل؟

إن المغرب مدعو إلى التحرك على أكثر من صعيد وبأساليب وأدوات متعددة لا تقتصر على رد الفعل والتجاوب سلبا كان أم إيجابا، وإنما بالمبادرة والفعل أيضا استباقا لكل الاحتمالات الممكنة. ففي سياق الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل، فإن هذا الصراع هو أيضا مرشح لاتساع رقعته أكثر، سيما في ظل تقلص هوامش المناورة أو انعدامها لدى الأطراف المناوئة للمغرب.

وبعيدا عن التعبئة العسكرية التي هي شرط أساسي لردع كل من تسول له نفسه العبث بالوحدة الترابية للبلاد، ولها مؤسساتها المختصة،  فإن من الضرورة اتخاذ الإجراءات الآنية التالية :

- الرد بقوة على كل الانتقادات الواردة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، والمتضمن بعضها رسائل مشفرة موجهة للمغرب وحده من قبيل:

1/ الحديث عن اعتقال البوليزاريو لـ 19 مواطنا مغربيا بتهمة الاتجار في المخدرات وتمضيتهم عقوبة سجنية بمنطقة تفاريتي لا يزكي فقط الاتهامات الباطلة ضد المغرب بترويج المخدرات في تلك المناطق، ولكنه يعطي ضمنيا صفة الشرعية لتمركز الميليشيات الانفصالية في تفاريتي ويضفي على البلدة صبغة أرض محررة.

2/ الإشارة إلى أن المغرب لم يحدث بعد هيئة وطنية لرصد الاحتجاز تعنى بتفتيش أماكن الاحتجاز على النحو الذي تتوخاه مقتضيات البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب مقابل إشادة ضمنية بالميليشيات في مجال حقوق الإنسان عندما تحدث عن استعداد هذه الميليشيات للتعاون مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وعن أن الجمعيات الحقوقية المحلية في المخيمات تعمل بحرية ودون عوائق.

- ضرورة العمل مع الأمين العام للأمم المتحدة لتحديد مفهوم دقيق لما يسمى "المنطقة العازلة" التي يبدو أن تعريف المينورسو لها لا يتجاوز عمق 5 إلى 10 كيلومترات شرق الجدار الأمني، فيما هي بالنسبة للمغرب كل المناطق الموجودة شرقه إلى غاية الحدود الدولية للجزائر.

- تعبئة القوى الناعمة المغربية على الساحة الأوروبية والأمريكية بعيدا عن الأساليب الفولكلورية والوجوه المحروقة، واستعادة زخم الدور المغربي على الصعيد العربي الذي كان ذا أثر ملموس في مواقف القوى الدولية من قضايانا الوطنية.

- تعبئة شعبية عامة حقيقية وليست فولكلورية مقرونة بانفراجة حقوقية تغلق كافة الملفات المطلبية الاجتماعية سواء أكانت جهوية (الريف، جرادة...) أو نقابية. إن إعلان العيون قد يكون مجرد مقدمة في هذا السياق وليس خاتمة، سيما وأنه صادر عن ممثلي طبقة سياسية باتت الثقة الرسمية والشعبية فيها محدودة جدا إن لم نقل منعدمة.