Sunday 11 May 2025
سياسة

المجتمع الذي مازلنا نبحث عنه كما تصوره الشهيد بنبركة قبل 60 سنة..

المجتمع الذي مازلنا نبحث عنه كما تصوره الشهيد بنبركة قبل 60 سنة..

نتحدث كثيرا اليوم عن التنمية، عن رفع القدرة الشرائية، عن التوزيع العادل لخيرات بلادنا، وعن الفوارق الصارخة بين فئات واسعة من شعبنا وبين فئة قليلة من المحظوظين الذين اغتنوا على حساب حقنا جميعا في أن نعيش عيشا كريما في وطن حر وديمقراطي.

نتحدث إذن عن واقع جاء نتيجة سياسة ممنهجة ومطبقة منذ حوالي ستين سنة، أي منذ حصول بلادنا على استقلالها السياسي، وننسى أنه كان هناك في السنوات الأولى من الإستقلال نضال قوي ومرير خاضه العديد من الوطنيين المغاربة الشرفاء، والأكفاء فكريا وسياسيا، تحلوا بالصدق والنزاهة و نكران الذات، و قدموا التضحيات والاقتراحات والتصورات لبناء مغرب جديد، مغرب متقدم وديمقراطي. 

ومن هؤلاء الشهيد المهدي بن بركة الذي يعتبر نموذجا في إدراكه مبكرا متطلبات هذا البناء، والتي تضمنتها العديد من المقالات والدراسات والمحاضرات والحوارات، من بينها محاضرته الشهيرة بتطوان صيف سنة 1958، والتي تطرق فيها بإسهاب إلى الشروط والمتطلبات التي يقتضيها بناء المجتمع الجديد، وهو المجتمع الذي ما زلنا نبحث ونتحدث عنه.

يقول الشهيد المهدي بنبركة في هذه المحاضرة:

..إن التغيير لا يمكن وقوعه بين عشية وضحاها ما دامت المعجزة غير ممكنة، وما دمنا لا نتوفر على عصا سحرية قادرة أن تحول بضربة واحدة جهلنا إلى علم وتأخرنا إلى تقدم . 

و يمكن أن نستنتج الشروط الضرورية للنجاح في السير أثناء هذه الطريق الطويلة من تجارب الأمم التي كانت لها وضعية مثل وضعيتنا. فإذا ما ألقينا نظرة على أحوال هذه الأمم، نجد أن هناك ثلاثة شروط أساسية كتب النجاح لكل أمة قامت بتطبيقها. كما كان الفشل حليف من لم يجعلها أساسا لعمله الوطني.

أولا: التوفر على قيادة حكومية وشعبية مخلصة قوية حكيمة، تفرض احترامها على المواطنين بإخلاصها ونزاهتها وكفاءتها.

ثانيا: وضع التصميمات لتحقيق التطور الإقتصادي والإجتماعي والسياسي والعمل على تنفيذ هذه التصميمات بدقة.

ثالثا: مشاركة الشعب في تنفيذ ومراقبة هذه التصميمات وذلك بواسطة المؤسسات الديمقراطية من مجالس قروية وبلدية ومجلس وطني منتخب.

يجب أن تكون القيادة القوية الحكيمة المخلصة سواء في الحكومة أو المنظمات الشعبية من مواطنين حنكتهم التجربة أيام المحنة الوطنية وأثبتت السنوات كفاءتهم ومقدرتهم على مواصلة السير نحو الأهداف التي تتطلب مصلحة البلاد العليا تحقيقها.

ومعنى القيادة الحكومية هي أن تكون الحكومة مسؤولة قوية في جميع مرافقها، قوية بعمالها وبجيشها وشرطتها ومحاكمها، قادرة على تسيير شؤون البلاد تسييرا حازما منسقا دقيقا، وعلى فرض احترام سلطتها على جميع المواطنين بحزمها وإخلاصها ونزاهتها وعملها الجدي المتواصل ...

هل لنا أن نحلم اليوم بتوفير هذه الشروط التي تحدث عنها الشهيد المهدي بن بركة منذ حوالي ستين سنة؟ بالطبع ممكن أن نحلم وأن نحقق حلمنا بالتغيير الديمقراطي المنشود متى أدركنا أن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، والخطوة هنا هي التشبع بالثقة والأمل، والشروع في العمل الجاد مع جماهير شعبنا المتطلعة إلى التغيير والمحتاجة إلى من يوجهها من شرفاء بلادنا الموجودون اليوم كما بالأمس.

بناء المجتمع المغربي الجديد حلم مستمر وسيتحقق ...