خصصت قناة "العربية" من خلال برنامجها الشهير "صناعة الموت" حلقة خاصة حول مسار أحد المتطرفين " إد حسين " الذي كان ضحية انجذاب لأفكار الإخوان المسلمين وحزب التحرير بفرع بريطانيا الذي بت أفكاره المتطرفة التي تخلط بين الدين والسياسة وتنادي بالخلافة، هذا التنظيم تم حضره في أوروبا بسبب تورطه في تجنيد الشباب ودفعهم إلى كماشة " القاعدة " و " داعش " . في هذا الحوار يفضح إد حسين المشروع السياسي للتنظيمات المتطرفة ويعلن عن تجربته في التنظيم من الداخل بعد أن خطط من جديد لمساره المعتدل وأصدر كتابه " الإسلامي " ( 20 عاما ...من التطرف إلى التصوف )، مستلهما من جلال الدين الرومي مقولة " بالأمس كنت ذكيا فأردت أن أغير العالم، واليوم أنا حكيم لذلك سأغير نفسي ".
++ من هو الإسلامي الذي تحدث عنه إد حسين في كتابه؟؟
الإسلامي في كتابي هو شخص مختلف، وعندما أنظر إلى الوراء لا أجدني أعرف من كان هذا الشخص، وقد كنت في السادسة عشرة من عمري حينما انتظمت في منظمة إسلامية تستخدم الإسلام وسيلة سياسية وترى في الشريعة سبيلا يوصلها إلى الحكم وبالتالي فهي مشروع سياسي، وعندما أصبحت إسلاميا في سن 16 لم أكن أدرك حقيقة ما كنت أقوم به، فقد ترعرعت في أسرة مسلمة وكان هدفي زيادة التزامي الديني مع تقدمي في السن. انتظمت إلى هذه المنظمة ودون أن أشعر وجدت نفسي جزء من حركة عالمية. وكمسلم عاد وجدت الأمر جذابا، لكن الأمر استغرق وقتا لأدرك أن الإسلاموية ليست هي الإسلام .
++ هل هناك فرق بين الإسلام و الإسلاموية؟؟
إن الفارق بين الإسلام والإسلاموية هو أن الإسلام دين التسامح والسلام بين البشر أجمعين بتاريخ يعود إلى 1400 سنة، في حين أن الإسلاموية فكر سياسي خرج من مصر عام 1928 ترأسه حسن البنا وقد كانت مزيجا اشتراكيا من المصالح في تلك الفترة التي أعقبت حقبة حركات التحررالمناوئة للاستعمار، والتي ظهرت في العشرينيات والأربعينيات، لكنها الآن تطورت لتكتسب زخما وروحا، إذ أصبحت تقف في وجه الحكومات والدول، إضافة إلى دفع المسلمين إلى التطرف والدعوة إلى الثورات ، أصبح لها الآن وجودها الخاص، وباتت الإسلاموية بمثابة مشروع سياسي يسعى إلى فرض قراءته وفهمه وتفسيره للشريعة لتصبح الشريعة قانون الدولة، فالحلال والحرام بالنسبة إلى غالبية المسلمين هو شأن خاص بيننا وبين الله، أما بالنسبة إلى الإسلاميين تخرج المسألة عن كونها شأن بينك وبين خالقك، لتصبح شأنهم وشأن الدولة التي ستعاقبك على اقتراف الخطيئة، وهذا يسبب إشكالية كبيرة لأن الإسلام عبر تاريخه لم يكن على هذا النحو. وإن نظرنا إلى تاريخ الإسلام بأكمله ولو أخذنا الامبراطورية العثمانية لم تسجل عبر 400 عام من الحكم سوى حالة رجم واحدة بحق شخص ارتكب الخيانة الزوجية، والآن نحن أمام داعش وغيره من يريدون الحكم بالرجم بشكل اعتيادي.
++ لماذا انضم إد حسين إلى المنظمات الراديكالية في بريطانيا في تلك الفترة؟؟
انضممت إلى صفوف الإسلام المتطرف دون أن أعلم أن ما يقدمونه هو إسلام متطرف، ومعظم المتطرفين والمتشددين لايرون أنفسهم متطرفين، الأشخاص الأكثر التزاما، وقد انضممت للمنظمة لأسباب عدة، أحدها أننا هنا في بريطانيا شهدنا في فترة التسعينات مسلمين ببشرة بيضاء، وشعر أشقر بعيون زرقاء، على بعد ساعتين من لندن عبر محطة الميترو يقتلون، جريمتهم أنهم مسلمون، والسؤال الذي طرح أمام جيلي في تلك الفترة هو أن هؤلاء ببشرتهم البيضاء وشعرهم الأشقر عاشوا في البوسنة لأكثر من 400 عام، فإن كانوا عم يقتلون، فما المستقبل الذي ينتظرني وأسرتي وأصدقائي في أوروبا؟ وهي أوروبا ذاتها التي نفذت محرقة اليهود والتي لديها إشكاليات مع الأقليات العرقية والدينية، لم أحصل على إجابة لتساؤلاتي من الحكومة، وفي ذلك الحين وبالطبع هي لم تتدخل في البوسنة، لكن الرد جاء من خلال منظمات متطرفة مثل حزب التحرير والإخوان المسلمين ممن أراد استغلال المظالم التي كانت تساورني كما هو الحال بالنسبة إلى الملايين إزاء ما يحدث بسوريا والعراق، يحاولون استغلال وقوع الظلم وتوجيهه نحو قنوات ناشطة خاصة، فمثلا إن كان لديك دولة تعاني من مشاكل واضطهاد وهي بحاجة إلى التغيير لأن الحكومة الحالية لا تصنع شيئا لتغيير الوضع سنتدخل نحن للمساعدة لأننا قادرون على إطاحة الحكومات، ولإقامة دولة الخلافة وتحقيق التغيير الذي يمكنك أنت كفرد مسلم من الشعور بالكرامة في ظل هذا التغيير، يبدو هذا جذابا للرأي ، لكن ما يحدث عقب ذلك هو ما يدعو إلى القلق، لا أعتقد أنه يقتصر على المسلمين، إذ أن هناك غياب أو نقص في الشعور بالإنتماء، ما يشكل رسالة واضحة تؤدي بالمسلم إلى عدم تمكنه من أن يصبح فرنسيا أو ألمانيا أو بريطانيا بما يكفي ويشعر أن المسلمين، عمال يحلون ضيوفا على هذه الدول رغم أنهم جيل ثاني هاجر إلى هذه البلاد، وأنهم في وقت ما سيعودون إلى بلادهم. إن مسألة الهوية والانتماء بالغة التعقيد بالنسبة إلى شاب لم يولد لأسرة بيضاء لا تعترف بالدين، هذه القضايا أيضا استغلها الاسلاميون الذين قدموا للشباب المعنى والانتماء وشبكة عالمية وهدفا، هي مسائل كانت متفاعلة في التسعينات لكنها أصبحت أقوى الآن، ولهذا أصبحنا نرى من يتركون عملهم ويحزمون أمتعتهم ويتركون بيوتهم المريحة ويتوجهون إلى ساحة المعركة للانضمام إلى دولة الخلافة في سوريا لأنها هي من يمنحهم ذلك المعنى والهدف والشعور بالانتماء.
++ ولكن ..هل يزال لديك نفس التساؤل والقلق ؟؟
كلا ...ولكنني خضت رحلة شاقة ولا أريد لسواي أن يسلكهاـ غادرت بريطانيا وعشت فترة في سوريا ثم السعودية ثم الولايات المتحدة سنوات طويلة، لكنني عدت لأنه في نهاية الأمر هذا وطني، وما يتبادر في ذهنك من تساؤلات وأنت في ( سن 16 عاما ) يختلف عن تساؤلاتك وأنت في الأربعين من عمرك ، هذه هي رحلة الحياة تطلب الأمر مني الذهاب إلى دمشق وجدة لأجد الجميع يتعامل معي على أنني بريطاني، ما عزز لي الشعور بأن بريطانيا هي وطني. اعتقد أن جيلي عانى هذه الهموم كثيرا، ومن هنا أرى أن العمل الذي أقوم به بالغ الأهمية بالاستفادة من هذه التجارب وحماية الأجيال القادمة من مواجهة مثل هذه المصاعب.
++ نريد أن نعرف الفترة التي عاشها إد حسين داخل تلك المنظمات وما أبرز مشاهدها من الداخل ؟؟
هذا سؤال ممتاز فقد شهدت أحورا عدة شعرت حيالها بعدم الراحة، عندما أصبحت داخل التنظيم في البداية حزب التحرير ثم مع الإخوان المسلمين، ما شهدته في الداخل في بداية الأمر كان إيجابيا بوجود ذلك الشعور بالأحوية وبالانتماء، على أننا جميعا نعمل من أجل هدف مشترك لكنني داحل هذا التنظيم شاهدت إسلاما مختلفا، فقد كبرت وأنا اشاهد أبي يستيقظ لأداء صلاة الفجر وأسمع تلاوة القرآن، لكنني أصبحت لا أستيقظ لصلاة الفجر بسبب إرهاقي من توزيع المنشورات طوال الليل، وتنظيم الفعاليات، تحولت إلى ناشط يحضر اجتماعات ويحاضر ويجند الآخرينـ هذا أبعدني عن التقرب من الله، فما هذا الإسلام الذي يبعدك عن الله؟ والداي يستيقظان لأداء صلاة الفجر، وأنا لم أفعل، والدي يذهب إلى الجامع بينما أنا لا أفعل، كنت أذهب إلى الجامع فقط من أجل تجنيد الآخرين، هنا بدأت التشكيك في النوايا، ووجدت أن نيتي لم تكن لله، بل للسياسة وللعالم، وهذه كانت مشكلتي الأولى، أما المشكلة الثانية التي واجهتها في هذه التنظيمات أنني التقيت كثيرا من الأعضاء ممن لا يحفظون القرآن وليس لهم أي صلة بالله أو الرسول ولا يتمتعون بأي حس من المحبة والرحمة والنزاهة والكرامة، وهي المشاعر التي نكتسبها من آبائنا ومعلمينا، فمن ناحية نحن معزولون عن الله، ومن ناحية ثانية نحن محاصرون بمجموعة ليست لها ثقافة إسلامية أساسية، هم زمرة ممن تحولوا فجأة إلى مسلمين متطرفين يحاولون تنفيذ مشروعهم السياسي ، المسألة الثالثة التي أزعجتني هي عندما كنت أذهب إلى المساجد سواء هنا أو حتى في الحرم المكي/ كنت كلما حاولت التحدث عن أننا بحاجة إلى الخلافة وإعادة دولة الخلافة كونه واج شرعي، كنت أطرد تقريبا من معظم تلك المساجد، أي أن هناك مسلمين يرفضون رسالتي، لقد طرد حزب التحرير من المساجد مرات عدة، ما جعلني أتساءل كيف أن إسلام أهلي لا يشبه إسلامي ؟ وكيف أن علاقتي بالله أصبحت ضعيفة؟ وكيف يرفضني وينبذني مسلمون مثلي ؟ فما الخطأ الذي أفعله؟ وهذا جعلني أيضا أفكر في ماهية هذا التنظيم من الداخل، وما دفع قراري الخروج من حزب التحرير ومن جميع التنظيمات المتطرفة هو أننا كنا ندعو إلى الجهاد في البوسنة وإسرائيل وفي كاشمير والفلبين والصين ...وبالنسبة إلينا كان هذا جهادا عالميا نلتزم به، لكن من قمنا باستقطابهم للتطرف في الحرم الجامعي اتخذوا الجهاد مسألة شخصية أرادوا تنفيذها الآن هنا على هذه الأرض وليس في أي مكان آخر.
++ بالتأكيد هناك نقطة تحول أو سبب رئيسي دفعك إلى ترك تلك التنظيمات ؟
أسباب عدة أولها أن علاقتك بالله تصبح أضعف وليست أقوى، فإن كان العمل من أجل الله فأنا لم أرى الله في ذلك، بل هو مشروع سياسي دنيوي فارغ، ثانيا العلاقة بين الأسرة والأهل تصبح ضعيفة في حين أن الرسول أوصانا بتوثيق علاقاتنا بالوالدين وأرسنا وجيراننا ، وثالثا أن معظم المسلمين بيسوا إسلاميين ويعرفون الفرق بين دينهم والمشروع السياسي، ما يجعل علاقتك مبتورة مع معظم المسلمين في العالم، ورابعا أن نشاطات هذا التنظيم بشكله المتطرف تؤدي إلى القتل، وقد حدرنا القرآن من عدم التحلي بالرحمة والعطف على أرواح الآخرين.
++ ذكرت في كتابك أن هناك معركة من نوع آخر عشتها من الداخل قبل ترك تلك التنظيمات ...هل انتصرت في تلك المعركة أم أنها ما زالت مستمرة ؟
تركت التنظيم وبدأت رحلة استكشاف ذاتي ، اعتقد أن الرومي قال " بالأمس كنت ذكيا فأردت أن أغير العالم، واليوم أنا حكيم لذلك سأغير نفسي ". وهذه دعوة إلى العودة للإسلام الذي ترعرعت عليه، الاسلام الحنفي، إسلام الرومي والغزالي..وفيه محاولة للتوصل إلى فهم أفضل للإسلام، وقد كنت سابقا اعتمد على المتطرفين ليشرحوا لي ديني، لذلك قررت أنني سأدرس الاسلام وسيكون ذلك في دمشق حيث كان يتعلم ويعيش ابن عرابي وكانت دمشق من أواخر العواصم الاسلامية الحاضنة للإسلام التقليدي الخالي من الأدلجة السياسية .