ليس من باب الحنين (النوستالجيا) الحديث عن الدور الذي كان يضطلع به حزب الإتحاد الإشتراكي سابقا في تسوية المعادلات السياسية من أجل البلاد، وفي تنبيهها إلى ما يمكن أن يحيق بها من مخاطر. حدث ذلك فجر الإستقلال، وفي معارك ما بعد الإستقلال بعد أن عولجت مسألة الشرعية حول التنازع حول الحكم. كان الحسن الثاني وعبد الرحيم بوعبيد يعيان حاجة بعضيهما للإستقرار الحقيقي للمغرب على قاعدة دمقرطة الدولة والمجتمع، وعلى البناء التدريجي للإصلاح المجتمعي. صحيح أنه كان لكل واحد منهما حسابه الخاص، لكنه الحساب مع البلاد أساسا. أما اليوم فما أحوجنا إلى دور الإتحاد والإتحاديين في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ بنائنا الديموقراطي !
لكن واقع الحال يؤكد أن الإتحاد ما عاد الاتحاد. نقولها حسرة لا تشفيا. ثلاثة اعتبارات تدفعنا، نحن عائلة اليسار، لتأكيد هذه الفرضية التي نرجو أن يكذبنا فيها أحد ما حتى يطمئن قلبنا:
1- كان الإتحاد الإشتراكي قوة اقتراح قبل أن يكون كتلة ناخبة. كان الحكم ينصت إلى رأيه بطمأنينة حتى ولو كان جارحا لأنه كان يقرأ فيه رأي البلاد ونبضه بلا نفاق ولا تزلف. أما اليوم فقد صار لسان الإتحاد معطوبا، بلا طاقة رأي، ولا قوة اقتراح.
2- كان التدافع الانتخابي، بالنسبة للاتحاد، حاجة نضالية ومجتمعية تساوي بين نقاء المرشح والترشيح من أجل نقاء الممارسة السياسية، لكنه أصبح اليوم طريقا لمرور الأعيان الذين لا رأي لهم سوى تأكيد ما يريده الكاتب الأول، وما تقتضيه حاجيات الذكاء الإصطناعي، ضدا على الوطن والمواطنين.
3- أما المعضلة الكبرى فهي استقالة الإتحاد تماما. نقول هذا لا فقط لأنه أضعف المعارضة طيلة الفترة التشريعية الممتدة من 2011 إلى أكتوبر القادم، ولا نقولها فقط لضحالة إسهامه في إغناء المنتوجية التشريعية، ولكننا نقولها لغيابه القاطع عن الساحة مطلقا، وإلا ما كان رأيه في القضايا التالية التي نوردها على سبيل المثال فقط:
- قضية الامتثال الأعمى لتعاليم صندوق النقد الدولي التي تعني مراعاة التوازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية التي تعني إفقار الفقير وإغناء الغني؟
- قضية إصلاح صندوق المقاصة التي تعني فقط تعريض القدرة الشرائية للمواطنين لمهب الريح؟
- قضية إصلاح أنظمة التقاعد التي تعني فقط إنهاك المتقاعدين؟
- محنة الأساتذة المتدربين الذين ناضلوا لأشهر معدودات من أجل الحق في التوظيف والكرامة؟
- الأزمة التي شغلت المغاربة بعد اندلاع مسألة الأزبال؟
- قضية تنامي التكفير الذي يطال الفكر والأدب والفن؟
أمثلة من واد كبير. غيض من فيض الأزمة.
سبب الإستقالة أن الإتحاد صار بلا عنوان يهتدي إليه المواطنون للاستنجاد بصفائه النضالي وطاقته الاقتراحية. هو الآن مشغول فقط بترتيب التحالفات السرية من أجل بعض الكراسي في البرلمان، بعد أن أنقذ عتبته من الضياع، ومن أجل الاستجابة لنزوات الأعيان لا المناضلين. نقولها حسرة لا تشفيا (مرة أخرى) لأننا نؤمن دائما بأن البلاد في حاجة إلى اتحاد بوعبيد. أما اليوم فإننا بلا معارضة ولا يسار. وحدها المؤسسة الملكية تحرس مستقبل البلاد، وتحفظ كرامته، فيما الأصوليون لا يذخرون الجهد من أجل احتلال البلاد!