الاثنين 16 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

ميلود العضراوي: نفوذ القوة السياسية المحايدة، أجل مشروع الإصلاح؟

ميلود العضراوي: نفوذ القوة السياسية المحايدة، أجل مشروع الإصلاح؟

منطقيا الإصلاح ليس حكرا على حكومة دون أخرى، وموضوعيا، لم يكن الإصلاح المطالب به، سوى جملة من القرارات الإجرائية الصارمة المحبوكة في قوانين دستورية تتسيد المواقف وتعلو على الرقاب. قرارات من اقتراح حكومي وتنصيص برلماني، من شانها محاصرة مظاهر الفساد وشل نشاطه التدميري. وهو ما لم تستطيع أن تقوم به الحكومة الحالية، خلال خمس سنوات انقضت، فإذا استطاعت الحكومة المقبلة تنفيذ هذه الخطة، فستكون حتما، قد عثرت على المفاتيح السحرية الضائعة لحل إشكالية الإصلاح.

من المؤكد أن أحد الأسباب المباشرة لفشل المشروع الإصلاحي، هو العطل الذي حدث في آلية تنزيل القوانين الدستورية المصلحة وليدة دستور 2011 باعتبار أن هذا الدستور، هو أفضل دستور عرفته المملكة طيلة ستين سنة، ولأن تنزيل القوانين في الاتجاه الصحيح الذي يخدم المصلحة العليا للأمة وعلى نحو يؤهل الحكومة ويمكنها من الاستحواذ على الصلاحيات الدستورية التي تساعد على انتقال ديمقراطي حقيقي؛ لم يكن يشكل قناعة فاعلين حكوميين وحزبيين، ناجزوا عبد الإله بنكيران الاختلاف على كيفية تطبيق مشروع الإصلاح. بل واجه عبد الإله بنكيران قوة سياسية من داخل حكومته ومن خارجها ومن الأحزاب السياسية أيضا، وعانى الأمرين بسبب ضعف تمثيليته الحزبية داخل الحكومة من جهة وبسبب قوة الحلفاء الحزبيين والتكنوقراط الذين يشكلون حكومته.

باختصار، القوة السياسية المحايدة لم تكن تتفق معه على صيغة الإصلاح كما يعلن عنها خطابه السياسي وتناصره من أجلها قوة مدنية ضاغطة، فضلت أخيرا أن تنسحب من اللعبة بسبب تخلي رئيس الحكومة عنها وتفضيله المواجهة القمعية ولغة الخشب مكان الحوار المنتج البناء. لقد تم تسخير نسبة سياسية من المعارضة لتمرير القوانين التي تروق لقوى معادية للإصلاح وتلبي حاجياتها الإستراتيجية، في حين كان رئيس الحكومة يراقب من بعيد ولا يتعدى فعله حدود الخطاب السياسي المنبري الذي يخدم مركزه الحكومي ومصلحة حزبه، لكونه استعمل نفس سلاح معارضيه في البرلمان واستقطب جانبا من المعارضة السياسية في الغرفتين ومرر في الظل العديد من القرارات الحكومية والمراسيم. والنتيجة انهزام رئيس الحكومة وخضوعه لإرادة فاعلين سياسيين واقتصاديين يستفيدون من الوضع، فكان السؤال هو ما مصير مشروع الإصلاح في خضم التطاحن السياسي القائم على المحاصصة السياسية والريع الاقتصادي؟ وبالتالي ما مصير الدستور الجديد الذي ما يزال على حاله؛ فلا أثر لقوانين تنزلت منه استجابة لروح الربيع العربي أي ربيع التغيير وخطة الإصلاح التي اتخذها رئيس الحكومة للوهلة الأولى شعارا له..؟ الأكيد أن رئيس الحكومة هو مسؤول عن ذلك، ولا يمكن العثور على مبررات موضوعية لإعفائه من هذه المسؤولية، وأكثر من ذلك أن وعود رئيس الحكومة- في نهاية الشوط الثاني من حكومته-، بتنفيذ مشروع إصلاحي متكامل، لا يمكن الاعتداد بها، نظرا للسقف الزمني الضيق الذي بقي بحوزته منذ سنة 2014 حتى الآن. فمشروع الإصلاح مشروع مجتمعي قومي يغطي مرحلة زمنية لا يمكن تحديدها، وأن من سيأتي بعد هذه الحكومة، لا يمكن أن يتحمل هذا الثقل، فقد ينظر أيها أقرب إلى التحقيق، برنامج الإصلاح أم غيره من البرامج الحكومية ذات الأولوية الملحة؟ وخصوصا الإشكالات السوسيواقتصادية والتباعد الطبقي الحاصل بين الفئات الاجتماعية وانعدام الاستقرار الاقتصادي وعدم القدرة على التخفيف من الديون التي لم تزدها الإكراهات الاقتصادية المحلية، سوى ثقلا وتراكما، علاوة على العجز الحاصل في حماية المصالح الدبلوماسية مع الشركاء الاستراتيجيين في المنطقة وخصوصا الاتحاد الأوروبي؛ وقضايا الديون الخارجية التي ستتجاوز الأربعين مليار دولارا غداة رحيل الحكومة الحالية وتدهور القوة الصناعية المنتجة بسبب انهيار القطاع الصناعي الذي دمرته سياسة الخصخصة، وانحدار القدرة الشرائية للمواطنين، جراء سياسة موازناتية عشوائية تم نهجها طيلة المدة الولائية لحكومة بنكيران، والارتفاع المهول في الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة التي تعاني منها الشرائح الاجتماعية المحدودة الدخل والمقاولات الصغيرة والقطاع التجاري الماكرواقتصادي. تلك وغيرها عوائق ستتركها حكومة السيد بنكيران، عصى في عجلة الحكومة المقبلة، وهي بشكل أو بآخر وسيلة ماكرة لافتعال النقد السياسي الذي سيمارسه متدخلون من فريق العدالة والتنمية بالبرلمان المقبل، وهو فرصة جذابة لصياغة الخطابات المضادة التي سيعتمد عليها حزب العدالة والتنمية ليضطلع بدور المعارضة السياسية البرلمانية في حالة انهزامه في الانتخابات التشريعية القادمة؟.