السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

فاطمة الزهراء علام :حكامة تدبير الإدارة المغربية

فاطمة الزهراء علام :حكامة تدبير الإدارة المغربية فاطمة الزهراء علام ،باحثة
يعيش العالم المعاصر، منذ نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي،تحولات جذرية، مصدرها الدول المتقدمة، وخاصة أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي، في حين تجد الدول النامية،ومنها المغرب،نفسها في وضع يحتم عليها التلاؤم مع هذه التحولات، والسعي بكل الطرق إلى مواكبتها .
ومن بين هذه التغيرات ما يعرف بالحكامة، التي تعتبر، في جوانبها المالية والإدارية، بمثابة صمام الأمان الذي يحفظ للمؤسسات قدرتها على تجويد الخدمات ومواجهة المنافسة، ويجعلها قادرة على القيام بالدور المنوط بها في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية . وقد ظهر مصطلح الحكامة، بمنظوره الحالي في قطاع المال والأعمال، وأصلته النظريات الليبرالية وخطابات التدبير العمومي الجديد، فأصبح من المواضيع الأكثر شيوعا في قاموس الأعمال الإدارية والقانونية والاقتصادية، لدرجة أضحى معها أي حديث عن التحديث والتنمية يمر أساسا عبر تفعيل وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة .
ويراهن المغرب اليوم، بمختلف مكوناته السياسية والمدنية، على ضرورة تحديث الإدارة المغربية والارتقاء بها، فلكي ينفذ خططه التنموية والتزاماته الدولية، جعل المغرب من شعار إدارة حديثة ومؤهلة وفعالة الخيار الوحيد لضمان التنافسية والاستقرار، وهو أمر يستوجب ترجمة مختلف الدراسات والمشاريع والمخططات إلى أعمال حقيقية ملموسة .على أن المشكل المطروح هو غياب حلقة الوصل بين إعداد هذه المخططات وتنفيذها، وفي هذا السياق تشكل الحكامة، كطريقة أثبتت نجاحها في الإدارات المتقدمة، الأداة التي ستشكل، عند اعتماد معاييرها الأساسية، قنطرة لتحقيق صلة الوصل بين المخططات والمخرجات، ووسيلة فعالة لتجاوز التسيير البيروقراطي بمفهومه السلبي داخل الإدارة العمومية، وبالتالي الانتقال من الإدارة التقليدية إلى الإدارة الحديثة بمكوناتها وهياكلها ومردوديتها .
لقد ورد مفهوم الحكامة في دستور 2011 كتعبير عن فلسفة عامة من أجل إحداث التغيير المنشود والحد من الفساد وسوء التدبير، الذي تعاني منه مؤسسات الدولة والمجتمع، وباعتباره وسيلة للانتقال نحو الحداثة والتحديث، خاصة وأن الظرفية التي جاء فيها الدستور المغربي، كما في البلدان العربية الأخرى، حتمت ضرورة محاربة الفساد وإعمال مقومات الشفافية والمحاسبة . حيث أطر التوجهات الأساسية، في مجال الحكامة الجيدة، بمبادئ تكرس للمقاربة التشاركية والمساءلة والاستفادة من الخدمات العمومية على أساس المساواة . ولتفعيل أحكام الدستور تم في دجنبر 2013 توقيع برنامج"حكامة" بين الإتحاد الأوروبي والمغرب، والذي يقوم على محوريين أساسيين : تعزيز الجانب المؤسساتي في مختلف القطاعات الحيوية (التربية والصحة والزراعة والنقل...)، وتخصيص برامج لإصلاح الحكامة العمومية تلتقي من خلالها هذه القطاعات، وقد جاء هذا التعاون بين الإتحاد الأوروبي والمغرب كدعامة لتقوية المسلسل الإصلاحي الذي تضمنه دستور 2011 .
وفي دجنبر 2017 ترأس السيد محمد بن عبد القادر، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية، مراسيم إطلاق مشروع " دعم ومواكبة الوزارة في مجال إصلاح الحكامة العمومية"، وذلك في إطار التعاون القائم بين المغرب والاتحاد الأوروبي. ويندرج هذا المشروع ضمن المحور الثاني من برنامج "حكامة"، الذي يرتكز على تحسين جودة الخدمات العمومية وتعزيز المشاركة والمواطنة، ويروم تقديم خبرة عالية الجودة ومساعدة تقنية متقدمة، بهدف دعم ومواكبة تنفيذ مشاريع الإصلاح الإداري .
وهنا نتساءل عن مصير مخرجات هذه الإلتزامات الدولية والداخلية لاعتماد الحكامة، ولماذا لا تتحول هذه البرامج إلى مخرجات ملموسة تحقق الرضا لدى المرتفقين ؟
إن الرهان الحالي هو التفعيل الحقيقي للحكامة واعتماد معاييرها، بدءا من التخليق وبناء فكر تدبيري شفاف في مختلف القطاعات الإدارية، باعتباره شرطا أساسيا لإضفاء الفعالية والجودة على الأداء العمومي، وصولا إلى معالجة حالات تعارض المصالح، الخاصة والعامة، وتقليص المخاطر والخسائر المتوقعة بكافة أوجهها . لأن الهدف من إرساء إدارة حديثة أصبح هو جعل هذه الأخيرة فاعلا أساسيا في تحقيق التنمية، وهو هدف لن يتحقق إلا إذا كانت الحكامة من مرتكزاتها الأساسية .