الثلاثاء 19 مارس 2024
سياسة

سعيد جعفر: المغالطات الثمانية الكامنة في دعوة مصطفى بنحمزة للتفكير في المساواة في الإرث..

سعيد جعفر: المغالطات الثمانية الكامنة في دعوة مصطفى بنحمزة للتفكير في المساواة في الإرث.. سعيد جعفر (يمينا) ومصطفى بنحمزة

 السي مصطفى بنحمزة دكتور متمكن من مادته العلمية، وعندما ينبري بهدوء بالدرس والتحليل للمسائل الفقهية من داخل تخصصه، وبآليات مجاله البحثي، تكون إنتاجاته وخلاصاته رصينة ومفيدة لا يشق لها غبار. لكن عندما يستعيض بالفقه مجال تخصصه في الشأن العام وفي الخلافيات خصوصا، غالبا ما تنفعل منطلقاته وعباراته ويتهافت منهجه وتتشكل خلاصاته ولا تستقيم موضوعيته.. وهذا ما حدث أثناء دعوته للتفكير في النقاش والدعوات السائرة في موضوع الإرث، فجاء رده منفعلا غير موضوعي، وعباراته آمرة غير مقنعة، ومنطلقاته مصادرات عوض مشتركات، وحججه مغالطات عوض استدلالات؛ وحسبنا أننا نتوقف في هذا المقال عند مغالطات عشر تتستر بين ثنايا العبارات كما يلي:

1ـ المغالطة الأولى: ينطلق السي بنحمزة من مصادرة أن كل ما يظهر على أنه فكر حر هو مرتهن إلى إيديولوجيا معينة وأنها تغلف دعوتها بمسوح الفكر الحر. ووجه المغالطة هنا أن هذه المصادرة تنطبق على السي بنحمزة نفسه، فدعوته ودعواته السابقة وإن بدت أنها قول في الفقه فهي تكشف عن مستويين: كون أنه وهو يطرح فكرته فهو لا يتحرر من خلفيته الإيديولوجية الدينية المحافظة، فهي ملتصقة به ولا مناص له منها فهي كيمياء كل قول قد يصدر عنه وعن غيره. وبشكل ما فإذا كان السي بنحمزة يرفض على أي فكر حر أن يكون وصيا على النساء، فهو بدعوته هذه وغيرها ينصب نفسه وصيا على النساء.

 2ـ المغالطة الثانية: يدفع السي بنحمزة إلى أن الأمر يتعلق بدعوة للمساواة الكلية في الإرث، والحال أنها دعوة للتفكير في بعض أحكام الإرث وحذف التعصيب الذي هو قاعدة فقهية لها حيثياتها وملابساتها التاريخية والاجتماعية المرتبطة بمجتمع القبيلة والأسرة الممتدة، حيث يقوم العم مقام الأخ في حال مرضه أو سفره او موته.

3ـ المغالطة الثالثة: يستدعي السي بنحمزة القارئ ويكله إلى عقله الحر وإرادته الطليقة للغوص في مضامين الدعوة الحالية لتسوية المرأة بالرجل في الإرث. وهو قد غالطه ( القارئ) في المقدمة والمنطلق عندما صور له الدعوة على أنها دعوة للمساواة في الإرث، ولم يبين له أن الأمر يتعلق بدعوة صريحة لحذف مقتضى فقهي وليس قرآني من مقتضيات الإرث وهو مقتضى التعصيب وإعادة النظر في بعض الأحكام الفقهية في الموضوع وليس القرآنية القطعية.

4ـ المغالطة الرابعة: في تاريخ السي بنحمزة للدعوة لإعادة النظر في لأحكام الفقهية حول الإرث انطلق السي بنحمزة من لحظة العلامة الطاهر الحداد وانتقل مباشرة إلى دعوة الأستاذة أسماء المرابط رئيسة مركز البحوث والدراسات النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب قبل استقالتها. وموضوع المغالطة يرتبط بالمكان والزمان. بخصوص المكان كان على السي بنحمزة أن يستدل بالمحاولات الفقهية المتنورة لعلماء وفقهاء المغرب من قبيل شيخ الاسلام سيدي محمد بلعربي العلوي وسيدي المختار السوسي وعلال الفاسي وقدور الأطراسي والحبيب الفرقاني والمتوكل الساحلي، وللدعوات السياسية للمهدي بنبركة و محمد بن الحسن الوزاني خصوصا. ومن حيث الزمان كان يمكنه الاستدلال بدستور 1908 الذي يفهم من فلسفته العامة توجهه نحو المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات.

ومراد هذا التأريخ "المبستر" (pasteurisé) هو إظهار هذه الدعوة أجنبية مغربة ليست بنت بيئتها المغربية حتى يتم إضعافها وينظر إليها على أنها مؤامرة ضد على المغرب وعلى الإسلام الوسطي والمعتدل للمغرب والمغاربة، والذي يحرص الطيف الإسلامي على احتكار امتلاكه وتوظيفه ايديولوجيا.

5ـ المغالطة الخامسة: يصور السي بنحمزة دعوة حذف التعصيب وإعادة النظر في بعض القواعد الفقهية في الإرث الصادرة عن رئاسة مركز البحوث والدراسات النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب على أنها صدرت عن مركز السلطة السياسية والحال أن هذا التوصيف يجر مشكلين اثنين: أن السي بنحمزة يصنف مؤسسة تابعة للرابطة المحمدية لعلماء المغرب على أنها مؤسسة ذات سلطة سياسية وهو بالتالي:

ـ يجرد الرابطة ومركزها للدراسات والبحوث من طبيعتها ووظيفتها العلمية كمؤسسة بحثية في المسائل الدينية والمعينة بظهير ملكي تحت سلطة أمير المؤمنين لهذا الغرض بالضبط.

ـ يجعلها طرفا سياسيا في تعارض مع توجهات الدولة التي تمنع المؤسسات الدينية الرسمية وموظفيها من الخوض في الشؤون السياسية، وهو ما يؤكده فصل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لعدد من الأئمة والخطباء وحتى رؤساء المجالس العلمية إما لخوضهم في الشأن السياسي أو لخلطهم بين وظيفتهم الدينية وانتماءاتهم السياسية أو تعاطفهم السياسي.

ـ أن السي بنحمزة من حيث لا يدري يتهم نفسه بامتلاك سلطة سياسية آمرة تفرض المواقف، إذ أعياها الحصول على الموافقة الشعبية العامة طالما أنه يشغل رئيسا لمؤسسة رئاسة المجلس العلمي لجهة الشرق: وهو كرئيس مجلس علمي في دعوته هذه للتفكير في دعوات إعادة النظر في الإرث يرتكب نفس العيب الذي اتهم به الدعوات أعلاه أي صدور دعوته عن مركز السلطة السياسية الآمرة التي تفرض المواقف إذا أعياها الحصول على الموافقة الشرعية.

والحال أن الجملتين الأخيرتين تتضمنان مغالطتين اثنتين:

6ـ المغالطة السادسة: يعرف السي بنحمزة أن المسائل الدينية هي مسائل سيادية موكولة لرؤساء الدول حصريا حتى في الديمقراطيات العريقة كإنجلترا، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون موضع تدافع سياسي أو شعبي ولهذا فربطها بالموافقة الشعبية غير مستقيم سياسيا.

والحال أن كل دعوة كهذه تريد جر الموضوع للفضاء العمومي لخلق الجدال والبوليميك والتقاطب مما يعطل المطالب المدنية.

7ـ المغالطة السابعة: يقول السي بنحمزة أن عيب كثير من الأنظمة هو أن القرار السياسي يصبح لديها هو نفسه سلطة فيما هو فكري وديني؛ والحال أن الأصل في السياسة أنها سياسة نسبية  لا تعلق لها بالدين المطلق، وأنه يدعو إلى الجمع بين الديني والسياسي على خلاف توجهات الدولة الحديثة التي تدعو إلى فصل بين السياسي والديني.

وليس بغريب أن الدول العربية و غيرها التي دعت لإعادة النظر في أحكام الإرث هي في الأصل تفصل السياسي عن الديني.

والمغرب من دون شك يسلك هذا الطريق منذ مدة إذ يمنع على المؤسسات الدينية الرسمية وموظفيها الخوض في الشأن السياسي ويمنع قيام الأحزاب على أساس ديني أو خوض فاعليها في الاختصاصات الدينية الموكولة بنص الدستور لأمير المؤمنين.

8ـ المغالطة الثامنة: يرى السي بنحمزة أن مجال موضوع الإرث هو العلم والمعرفة الذي له أهله وآليات اشتغاله ويقصد بهم الفقهاء والعلماء.

والحال أن هذه مغالطة من مستويين:

ـ من جهة كون كل الأنظمة السياسية لها مؤسسات مختصة من أهل العلم والمعرفة في الشأن الديني تماما كالشأن الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والسياسي.. وأن الرئيس أو الملك تبقى له سلطة القرار في طرح أو تأخير أو حذف طرح أو مشروع ما. وإذا سحبنا الأمر على دعوة الأستاذة أسماء المرابط مثلا نكون أمام سؤال مشروع: لماذا ترفض دعوتها وهي واحدة من أهل العلم والمعرفة أي فقيهة وعالمة؟ إذ أن الأستاذة أسماء تشغل منصب رئيسة لمركز البحوث والدراسات في القضايا النسائية التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، وهو منصب علمي وفكري بحت متخصص في القضايا النسائية في الإسلام وفي رابطة هي رابطة تحظى بالتعيين الملكي وتجمع علماء المغرب.

إذن فأسماء المرابط مثلا عالمة معينة بهذه الصفة من طرف أمير المؤمنين، ونظرا لكفاءتها فهي عينت رئيسة لمركز البحوث في قضايا النساء في الإسلام من طرف رئيس الرابطة العالم المتميز السي أحمد العبادي.

والوجه الثاني للمغالطة فيتجاوز نية حكر الاجتهاد في موضوع الإرث في الفقهاء إلى اعتبار من يخوض في الموضوع من غير الفقهاء ولو كان رئيس دولة يمارسون سلطة وإجبارا.

والحال أن الفقهاء بالضبط من يلجؤون إلى سلطتهم الرمزية كفقهاء وإلى الحجة بالأمر من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وذلك لفرض رأيه.

- د. سعيد جعفر، باحث في سوسيولوجيا الدين