السبت 20 إبريل 2024
خارج الحدود

معرض باريس للكتاب: مشاركة مغربية متميزة، والرئيس الفرنسي يغض الطرف عن رواق روسيا

معرض باريس للكتاب: مشاركة مغربية متميزة، والرئيس الفرنسي يغض الطرف عن رواق روسيا

شهدت باريس ما بين 16 مارس و19 مارس 2018، بقصر المعارض باب فرساي، المعرض الدولي للكتاب. وهو معرض، وبشهادة المحترفين ومهنيي القطاع معرض بمعايير ومواصفات دولية تضاهي أكبر المعارض الدولية كمعرض فرنكفورت للكتاب والنشر. والذي يعتبر أكبر المعارض الدولية على الإطلاق.

هذا العرس الثقافي هو تقليد سنوي دأبت على تنظيمه النقابة الوطنية للكتاب منذ 1981 بإيعاز من الوزير الاشتراكي جاك لانك Jack Lang وفِي واقع الأمر، يرجع قرار تنظيم هذا المعرض الى حكومة يمينية كان يرأسها الوزير الأول السابق ريمون بار Raymond Barre إحداث هذا المعرض جاء لإخراج سوق الكتاب وظاهرة القراءة بصفة عامة من الأزمة التي كانت تعرفها إثر تدني نسب القراءة وانخفاض معدلات النشر والتوزيع. كل هذا أثر اقتصاديا على هذا القطاع الحيوي من الاقتصاد الفرنسي. كما كان من بين المشاكل التي كان يواجهها الكتاب تدني نسب النشر ومعاناة المكتبات الصغيرة في مواجهة المكتبات الكبيرة والأسواق التجارية الكبيرة. ومن بين الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية آنذاك لإنقاذ دور النشر والمكتبات من الإفلاس؛ فرض السعر الموحد على الكتاب.

من عجيب المفارقات وهي أنه بعد 35 سنة من هذا الإجراء ما زال سوق الكتاب في فرنسا يعرف أزمة بنيوية حيث عرفت المبيعات سنة 2017 تراجعا بلغ ٪؜6 وهذا راجع لأسباب أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر انتشار الهواتف الذكية واللوحات الالكترونية وما تتيحه من إمكانيات للاكتشاف والتثقيف عبر الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي.

تميز افتتاح معرض الكتاب بباريس هذه السنة بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومشاركة وزيرة الثقافة الفرنسية فرانسواز نييسن صاحبة دار النشر Actes de Sud قبل تعيينها وزيرة.

الذي كان لافتا للنظر هو أن الرئيس الفرنسي، والوفد المرافق له، تجنب الرواق الروسي في نوع من المقاطعة لروسيا، وذلك رغم أهمية الرواق الروسي هذه السنة من حيث المساحة ومن حيث أهمية الوفد الروسي.. والأهم من هذا وذاك هو كون روسيا ضيفة شرف المعرض هذه السنة وهو حدث تمت تغطيته من طرف الصحافة الفرنسة وتم تقديمه كحدث هام في معرض هذه السنة.

ويأتي هذا الغضب الفرنسي في سياق أزمة سياسية تعرفها العلاقات الروسية/الأوروبية نتيجة لتداعيات اغتيال عضو سابق في المخابرات الروسية KGB في المملكة المتحدة. هذه المقاطعة خلفت تذمراً وألما لدى البعثة الروسية للمعرض الدولي للكتاب والمكونة من 38 كاتبة وكاتب مما دفع بأرملة سولجينتسين للقول بأن هذه المقاطعة الفرنسية أحدثت ألما وحزنا لدى الكثير من الكتاب الروس الحاضرين في المعرض.

حظيت هذه التظاهرة الثقافية بحضور مكثف للفاعلين والمهتمين بمجال الكتابة والنشر والتوزيع حيث بلغ عدد الكتاب المشاركين 3000 كاتبة وكاتب، و1200 ناشرة وناشر. ومشاركة 45 دولة من بينها المغرب. وبالموازاة لعرض الكتب عبر مختلف الأروقة، نظم المعرض لقاءات مع الكتاب لتقديم ما جد من إصداراتهم. كما عرف المعرض تنظيم موائد مستديرة حول مواضيع تهم إشكاليات النشر والتوزيع والقراءة. كما عرف المعرض تنشيط مجموعة من الورشات حول الكتابة والنشر للمبتدئين.

من أجمل المبادرات والتي لاقت نجاحا جماهيريا في معرض هذه السنة؛ المحاكمات الأدبية الصورية لشخصيات أدبية بصمت الروايات والأدب العالمي كشخصية مدام بوفاري لكوستاف فلوبير، وآنا كارنين لتولستوي.

مستجدات معرض الكتاب بباريس لهذه السنة، تتجسد في إحداثه لرواقين جديدين. أولهما رواق خاص بالروايات البوليسية والتي تعرف حركية كبيرة في السنوات الاخيرة لا من حيث  كمية الروايات البوليسية المكتوبة مباشرة باللغة الفرنسية أو من حيث الكم الهائل للترجمات من مختلف لغات العالم، وخصوصا الروايات المترجمة من اللغة الانجليزية الى اللغة الفرنسية. وتتجلى أهمية هذا النوع بالقيمة المالية التي يتقاضاها نجوم كتاب الروايات البوليسية عند تعاقدهم مع دور النشر او عند تغييرها (دور النشر).. حيث اننا لسنا  ببعيدين عن الأرقام التي يتقاضاها بعض نجوم كرة القدم او كرة المضرب.

الرواق الثاني الذي استحدث هذه السنة، وحظي باهتمام الزوار خصوصا اليافعين منهم هو رواق خاص بأدب الشباب Young Adult   أو أدب الشباب اليافع والذي اصبح يشكل ظاهرة أدبية جديدة شكلت ملاذا وخلاصا لدور النشر لإنقاذها من الكساد. وهو عبارة عن نوع من الروايات يستهدف جمهور الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 سنة و25 سنة. مواضيع هذه الروايات تتأرجح ما بين العجائبي/ الغرائبي من الأحداث و الوقائع الممزوجة بأحداث تمنح لابطال  وشخوص هذه الروايات إمكانية بصم صيرورة الأحداث والتأثير فيها وعليها. هذا النوع من الروايات بدأ يستأثر باهتمام جيل جديد من القرّاء. وخير دليل في معرض باريس هي هذه الطوابير من القارئات والقراء اللافتة للانتباه أمام الرواق Young Adult من الروائيات التي تشرئب لها الاعناق في انتظار الظفر بتوقيع؛ مارية ميير Marissa Meyer الآتية من الولايات الأمريكية للمشاركة في حفل التوقيع عَلى احد إصداراتها Ciender والذي تُرجم للتو وبمناسبة معرض باريس والمستوحاة قصته من حكاية سندريلا وتجري أحداثها في العاصمة الصينية بيجين، حيث الشابة لينح سيبوك الميكانيكية، والتي ستلتقي بأمير يُدرجها في مقاومة تتوخى إنقاد العالم في نوع من النهايات السعيدة Happy end هذا النوع من الروايات أصبح يشكل %40 من اجمالي مبيعات كتب الشباب في السوق الفرنسية.

الرواق المغربي في معرض الكتاب بباريس وفيٌّ لحضور المغرب المتواصل والمستمر منذ إنشاء المعرض الفرنسي للكتاب سنة 1981. عكس السنة الماضية حيث كانت المملكة المغربية ضيف شرف المعرض برواق كبير وجميل هذه السنة المشاركة المغربية تعكس سوق الكتاب المغربي عبر لغات التعبير المتعايشة في الفضاء المغربي من لغة عربية فصحى ولغة عربية دارجة ولغة بربرية ولغة حسانية.. عدد دور النشر المغربية المشاركة في المعرض 38 لباريس بلغ 12 ناشر على مساحة 50 متر مربع.  بالإضافة الى الحضور اللافت لدور النشر المغربية نذكر منها: دار الأمان، منشورات مرسم، Le Fennec، la croisée des chemins، Les éditeurs

marocains، Virgule éditions،Éditions Chaaraoui   هذا على سبيل المثال لا الحصر. كلها جاءت لعرض جديدها في مجال الرواية او العلوم الانسانية، كتب الأطفال او كتب الطبخ  باللغتين العربية والفرنسية. من الأسماء العارضة والمشاركة في حفلات التوقيع المنظمة من طرف دور النشر في مجال الرواية باللغة الفرنسية نجد كلا من ليلى السليماني، الطاهر بنجلون، فؤاد العروي،  عبد اللطيف اللعبي وأسماء أخرى من جيل الشباب.

بالموازاة للمعرض 38 للكتاب بباريس ومنذ بداية شهر فبراير 2018، أعلن المركز الوطني للكتاب في فرنسا عن رفع مساعدات الناشرين لترجمة الكتب العربية إلى الفرنسية بنسبة %70 (من النفقات) للسنوات 2018, 2019, 2020. ويستفيد الناشرون عادة من مساعدة تشكل ما بين %40 و%60 من النفقات على ألا يزيد المبلغ عن 35 ألف يورو، مع العلم أن المركز يساعد 500 مشروع ترجمة سنويا.