عرفت حقوق المرأة تطورا كبيرا منذ المجتمعات البدائية الأولى كانت غالبيتها "أمومية"، وللمرأة فيها السلطة العليا. ومع تقدم المجتمعات وخصوصا الأولى ظهرت قوانين حمورابي في الألفية الثانية قبل الميلاد التي احتوت على أزيد من تسعين نصا من أصل 282 تتعلق بالمرأة.
و قد أقرت هذه القوانين مجموعة من الحقوق للمرأة منها حق القيام بأعمال تجارية و إبرام اتفاقيات البيع و الشراء و الإعارة و التأجير دون وصاية احد عليها كما أنها حفظت لها حق الشهادة في المحاكم كما ضمنت لها حق العمل بمهن كالكتابة.
الحق في العمل كان يضمنه أيضا الأشوريون و الفراعنة و اليونانيون وسترسخه فيما بعد الديانات السماوية الثلاث و التي ستأتي بمفهوم آخر ستتبناه المواثيق الدولية فيما بعد و هو كرامة الإنسان مصداقا لقوله تعالى " ولقد كرمنا بني ادم و جعلناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا" سورة الإسراء الآية 5.
و بما أن حقوق المرأة مصطلح شامل يدل على ما يمنح للمرأة من مختلف الأعمار من حقوق وحريات في العالم الحديث، والتي من الممكن أن يتم تجاهلها من قبل بعض التشريعات والقوانين في بعض الدول.
وعلى الرغم من الأشواط الطويلة التي قطعتها المرأة للحصول على حقوقها و على الرغم من كل المجهودات المبذولة على مستوى التمكين ، إلا أنها مازالت بعيده عن المستوى الذي تتحقق فيه المساواة و الاستقلالية في الوصول إلى الموارد و في اتخاذ القرار.، حيث الكثير من الحقوق مازالت مسلوبة من المرأة حتى في الدول المتمدنة من بينها الحقوق الاقتصادية و بالخصوص الحق في العمل بحيث تؤكد الإحصائيات أن نسبة النساء النشيطات 14،7% مقارنة مع الرجال 54،1 %.
و منهجيتي في البحث تتلخص في إظهار جوهر الحقوق الاقتصادية من خلال المواثيق الدولية وبما أن تنزيل هذه الحقوق يصطدم بمسالة الإلزامية من جهة و الخصوصية الثقافية من جهة أخرى فسوف أتطرق لهاتين النقطتين أيضا محاولة تبيان العلاقة بين القانون الدولي لحقوق الإنسان و الإسلام .
ممارسة المرأة لخطة العدالة وفق المواثيق الدولية :
لقد اقر القانون الدولي الحق في العمل و المساواة في هذا الحق دون تحديد مهن دون أخرى، فقد جاء شاملا دون الوقوف عند خصوصية بعض المهن أو توزيعها حسب الجنس. وخطة العدالة باعتبارها مهنة قانونية و قضائية تزاول في إطار مساعدي القضاء هدفها الأساسي توثيق الحقوق و المعاملات و تحضير وسائل الإثبات التي تمكن من فض النزاعات و الفصل في الخصومات بالإضافة إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية مارستها النساء منذ العصور القديمة. و بما أن مزاولة هذه المهنة تخضع حسب المادة الأولى من خطة العدالة لمراقبة القضاء الذي يشمل ضمن أسلاكه النساء. فالقانون الدولي العام بكل مواثيقه و إعلاناته و اتفاقياتها الدولية يمنح المرأة حق تولي منصب مساعد قضائي. حيث لا تمييز في هذا القانون بسبب الجنس و الجميع أمامه متساوون في الحقوق و الواجبات. و هذا ما اتجهت إليه الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في المواد 7 و 8 عندما أعطت المرأة حق تقلد كافة المناصب الحكومية القيادية و السياسية و المدنية و تولي القضاء أيضا سواء كان قضاء وطنيا أم دوليا. و عليه فان حق المرأة في تولي القضاء و في إن تصبح عضوا في هيئة قضائية سواء وطنية أم إقليمية أم عالمية هو محل اتفاق بين فقهاء القانون الدولي العام و يعد الآن في حكم القاعد القانونية ذات الصلة.
و في هذا الإطار تقضي المادة 3 من الاتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة للنساء "أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز." و يقصد بالوظيفة العمومية مجموع الوظائف المدنية و الاقتصادية و السياسية و القضائية بالإضافة إلى المساواة في كل المسائل المتعلقة بتلك الوظيفة مثل شروط الولوج و الترقي و المعاشات. كما أن منظمة العمل الدولية أكدت على مبدأ تكافؤ الفرص و جعلت المساواة في المعاملة بين الرجل و المرأة من ضمن أهدافها و سياستها و أولويتها.
و قد نصت المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/ 1948 على إن "لجميع الإفراد دون تمييز الحق في اجر متساوي عن العمل المتساوي" و يستفاد من نص هذه المادة المساواة بين الرجل و المرأة في حق العمل وفي العائدات منه و هو الأجر. كما أن المادة 23/1 من هذا الإعلان نصت صراحة على حق كل شخص في اختيار عمله و حقه في العمل في ظل شروط العمل عادية و مرضية...
كما أن الفقرة 3 من نفس المادة نصت على حق كل فرد يعمل في الحصول على مكافأة عادلة و مرضية تكفل له و لأسرته عيشة لائقة بالكرامة الإنسانية.
وفي نفس الإطار نذكر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق الاقتصادية و الاجتماعية الواردة في هذا العهد هي أيضا مضمنة في نصوص أخرى صدرت قبل هذا الإعلان مثل اتفاقية حنيف (28 يوليوز 1951) الخاصة باللاجئين، كما ان هذه الحقوق كانت لها مكانة مهمة في منظمة العمل الدولية التي انشات سنة 1919 و عمل و خبرة هذه المنظمة تم استثمارها لانجاز العهد الولي لسنة 1966 لا سيما فيما يخص حق النساء في العمل. فالنصوص الصادرة عن منظمة العمل تعتبر بمثابة مصادر للحقوق الواردة في هذا العهد . هناك أيضا الاجتهاد القضائي لأجهزة المراقبة لمنظمة العمل و الممارسة الدولية لهذه المنظمة التي أثبتت أن حقوق الإنسان تطبق في مجلات الحرية النقابية و إلغاء العمل الإجباري و عدم التمييز. إضافة إلى المصادر ذات الطبيعة التعاقدية كانت الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية مند الإعلان عنها سنة 1966 محط نقاش في مجموعة من التوصيات في إطار هيئة الأمم المتحدة و المؤسسات المتخصصة في حدود اختصاص كل منها.
الأستاذة، فاطمة رومات، رئيسة المعهد الدولي للبحث العلمي