الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

في شهر يوليوز الرياء لا يجوز (الحلقة الثالثة.. الوحدة الإفريقية والوحدة الوطنية أي تفاعل؟)

في شهر يوليوز الرياء لا يجوز (الحلقة الثالثة.. الوحدة الإفريقية والوحدة الوطنية أي تفاعل؟)

حقا إنه لا تماثل بين البشر، بالمعنى المطلق، بين الخلف والسلف، بين العهدين والملكين وبين الجيلين وبين أشكال التدبير والتفكير، وكتحصيل حاصل هناك تميز، ولكن ليس هناك تحول ملموس.. فكل ما يجري على ركح المشهد السياسي هو مجرد محاولات للتغيير، يؤطرها التكييف إن بالتسويات تارة وإن بالقوة والقوة الناعمة أحيانا.. ليس هناك قطع مع الماضي، بل هناك ما يشبه التردد باسم التواصل التاريخي، لأننا نؤمن جميعا وبكل قناعة راسخة على أن التحول على مستوى التمثلات والبنى الفوقية، يتطلب على الأقل زمنا ليس بالقصير، لذلك فالمشكل يكمن في الكلفة وما يصاحبها من تداعيات فوبيا التكرار والاجترار بكل عبثية وابتذال.

لقد فشلت محاولات الانتقال واجهضت كل حلقات التحول، ولم يعد النظام يملك سوى الاغتراف من قواميس التكيف والملاءمات باعتماد استراتيجية إعلامية صانعة لحقائق سوسيولوجية عابرة للذهنيات والبنيات الثقافية.. وها نحن نودع السنة الخامسة على تبني صك جديد للحقوق، دون أن نتمكن من تفعيل المخطط التشريعي لتنزيله ديموقراطيا.. وحتى نكون نسبيا أكثر، لابد أن نعترف أن المسؤولية لا تتحملها جهة معينة لوحدها.. فهذا الخطاب غير صالح إلا لأسبوع «المشماش»، أي للحملة الانتخابية وللاستهلاك السياسي الظرفي، وإن الصراع السياسي على أشده، لكن بين الأصوليات هنا وهناك، مما يجعلنا نستنتج أن الحاجة صارت ملحة أكثر للعقلانية على اساس التوفيق بين مطلب التحديث الذي يفتقد لمن يحمل مشروعه المجتمعي والثقافي.. وبين مطلب تقليص مظاهر الاستبداد ذي الأصول الشرقية والتقليدانية الذي يتقاسم مهمة تأبيده كثير من التيارات، بما فيها الدولة التي ترفض أن تتمثل نفسها في صيغة عقل.. فالطقوس والرموز تكرس المقاربة الأمنية دون أن تفسح المجال للقطع مع المقاربات الريعية والزبونية التي أجهضت معركة «الحقيقة والإنصاف والمصالحة الوطنية».

لقد ورث العهد الجديد تركة ثقيلة لا زالت تلقي بظلالها على المسار، ولا زال العقل الأمني يوظف رمزية اللحظة الوطنية للتشويش على اللحظة الديموقراطية، وعوض أن تكون اللحظة لحظتين، يتواءم فيها المفهوم الجديد للسلطة مع المفهوم الجديد للعدل، اعتبرت الولاية الحكومية الحالية فرصة ذهبية لمزيد من الإجهاز على الحق في دولة حقوقية مسؤولة اجتماعيا، وعوض أن تكون القضية الوطنية مدخلا لفك عقدة تجزئة المغرب الكبير، تحولت إلى ذريعة لتأجيل مطلب البناء الديموقراطي.. والحال أنهما معا، أي اللحظتين الوطنية والديموقراطية، فرصة تاريخية لتكريس الوجود قبل تحصين الحدود، ما دمنا نروم إحياء وتجذير امتدادنا الإفريقي تواصلا معرفيا وإنسانيا، في سياق إعادة الاعتبار لمطلب الانتقال الديموقراطي في العلاقة مع الجوار والاستعمار، مما يعنيه من استكمال مطلب التحرر وكذا المصالحة مع تاريخنا الإفريقي.. فلم يعد الزمن الاجتماعي يسمح بأن نكتفي بمد الجسور مع الدول دون المجتمعات، لقد ولى عهد لعب الأدوار الأمنية والحمائية، مما يستدعي العمل على جعل الوحدة الوطنية في خدمة الوحدة الإفريقية بدمقرطة العلاقات بين الشعوب في سياق دول المجتمعات وليس مجتمعات الدول.

فهل بمقدورنا أن نتحول من دركي الدول في المنطقة إلى محرري الشعوب، فبتحرير إفريقيا سنحرر قضيتنا الوطنية من الابتزاز الدولي ونطلق العنان للحظتنا الديمقراطية بتواز وتباث، حيث لا تحول بدون تحديث؟