الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: التحكم.. أداة للشلل أم مشجب فشل وشماعة كسل؟

عبد القادر زاوي: التحكم.. أداة للشلل أم مشجب فشل وشماعة كسل؟

يجري تدريجيا تكريس مفهوم التحكم كموضوع محوري للانتخابات التشريعية المقبلة في المغرب. ويبدو أن القوى السياسية الحزبية المستعدة لدخول هذه المعركة مرتاحة لهذا التكريس ، كل من زاوية حساباتها الخاصة. كيف ذلك؟

1/ التحكم سلاح حكومي :

أول من أثار مفهوم التحكم هو السيد عبد الاله بن كيران رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية في سعي منه إلى تبرير عدم قدرته على الوفاء بالوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية سنة 2011، وإخفاقاته المتكررة في تدبير الشأن العمومي من موقع قيادة الحكومة، وفق الانتظارات الشعبية التي كانت معقودة عليه وعلى حزبه.

ومن الواضح أن لجوء  قيادة حزب العدالة والتنمية إلى استخدام مفهوم التحكم بشكل متواتر جاء بعد أن فشلت في كبح تصاعد الانتقادات الشعبية والنقابية ضد سياساتها الحكومية من خلال الاختباء في بادئ الأمر وراء من أسماهم رئيس الحكومة العفاريت والتماسيح دون امتلاك الجرأة على تسميتهم، كما فعل شباب حركة 20 فبراير، الذين ركب شعاراتهم في انتخابات 25 نونبر 2011 لاحتلال الرتبة الأولى.

وجريا على عادتهم في الاختفاء وراء التعميم الذي يمكن تأويله بأي شكل من الأشكال استخدم رئيس الحكومة ومريدوه في الحزب مفهوم التحكم بصيغة فضفاضة، مبهمة ودون تدقيق لينطبق على كل شخص ما أو جهة ما يريدون توجيه سهام النقد أو تبليغ رسالة ما لها حسب الحالة والظروف والموقف.

ففي مقال نشره القيادي محمد يتيم بعنوان "ما دخل التحكم في شيء إلا وأفسده" كان المقصود حزبا سياسيا طارئا على الساحة يرون أنه ولد في أحضان السلطة بملعقة من ذهب. وعندما ادعى رئيس الحكومة وجود حكومتين في المغرب واحدة علنية يرأسها، وأخرى غير معروفة تتخذ القرارات الكبرى، وأقر بأنه وصل إلى الحكومة، وليس إلى السلطة كان بلا شك يغمز من زاوية دهاليز الدولة العميقة، وسدنة المعبد فيها.

مع مرور الوقت بدأت جرعة الجرأة لدى رئيس الحكومة تزداد شيئا فشيئا ليصل إلى تسمية سدنة المعبد برموز التحكم والاستبداد، وليعرفهم في لقاء تأسيس التحالف الانتخابي مع حزب التقدم والاشتراكية بالفئة التي تتموقع بين الملك والأحزاب السياسية لقطع الطريق على نجاح أي تجربة ديمقراطية، من دون أن يشرح طبيعة هذا التموقع هل هو من خلال وظائف رسمية أم من خلال قنوات موازية ؟ فصيغة التعميم تترك له خط الرجعة عند الضرورة .

من منطلق هذا التطور في الموقف من التحكم بدا واضحا وجود ملامح انتهازية في تكرار تداول المفهوم وتلويكه في الساحة السياسية لدى الحزب القائد للحكومة ؛ الأمر الذي اعتبره المراقبون إشارة لا لبس فيها على عزم رئيس الحكومة استغلال المفهوم  في حملته الانتخابية ليس فقط لتبرير إخفاق خمس سنوات من القيادة، وإنما لاستدرار تعاطف المواطنين للتكتل وراءه من جديد لمواجهة هذا التحكم "المزعوم" في المرة القادمة.

جرى التعبير عن هذه الغاية بجلاء في إحدى المداخلات البرلمانية للسيد رئيس الحكومة، الذي نسب إلى ما أسماها عقيدة التحكم محاولة العودة بالبلاد إلى أجواء الشحن التي عاشتها في الستينات والسبعينات بين النظام والمعارضة، والتي أضاعت على المغرب قرابة 20 أو 30 سنة من العمل الحاد على حد قوله.

وفي مناسبة أخرى لم يتردد السيد بن كيران مطلقا في التحذير بنبرة تهديدات مبطنة من أن التحكم يهدد أهم المؤسسات في البلاد، ويهدد المؤسسة الملكية نفسها، ولكن من دون أن يجرؤ مرة أخرى على تعريف ماهية هذا التحكم ، أو كشف شخصياته باستثناء معاودة تهجمه المتواتر على أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة.

أما حليف حزب العدالة والتنمية في الحكومة أمين عام حزب التقدم والاشتراكية فقد ذهب خطوة أكثر إلى الأمام في حديثه عن التحكم عندما أشار (ربما من خلال تجربته الشخصية مع أحد أنواع التحكم حين كان سفيرا في إيطاليا) إلى أن هذا التحكم لا يقتصر على المجال السياسي، بل يوجد في الاقتصاد والإعلام والرياضة والتعليم، مؤكدا وجود الضغوطات حتى عند تعيين رئيس جامعة.

وعلى خطى حليفه رئيس الحكومة سارع أمين عام حزب التقدم والاشتراكية إلى الجزم بأن التحكم الحالي تقوم به نفس الأوساط التي تدافع عن العهد القديم دون أن يمتلك هو أيضا جرأة الإفصاح عن الهويات، مكتفيا بالغمز من زاوية من أسماهم بأشخاص ليست لهم أية مسؤوليات في الدولة، منددا بحزب قال إنه في المعارضة، ويستبد بالقرار متسائلا ماذا بإمكانه أن يفعل غدا عندما يصل إلى السلطة؟.

2/ التحكم سلاح معارض :

بدورها وجدت أحزاب المعارضة ضالتها في استخدام التحكم كوسيلة لمهاجمة أكثر من جهة هي الأخرى حسب الظروف والمناسبات، مغطية بذلك على كسلها في إعداد برامج انتخابية كفيلة باستقطاب المواطنين لأطروحاتها، وإخراجهم من أجواء السلبية والعزوف التي تلف عملية الانتخابات في المغرب بعد أن تشابهت الأحزاب، كما تشابه بقر بني إسرائيل.

في هذا السياق لم يكن مفاجئا أن يمتشق حزب الأصالة والمعاصرة هو أيضا سيف التحكم فيرمي خصومه به، رغم أنه المتهم الأول بممارسة هذا التحكم أو على الأقل لعب دور الواجهة السياسية والمنبر البرلماني  للأشباح القائمة به.

على هذا الأساس يرى حزب الأصالة والمعاصرة أن رئيس الحكومة وحزبه هما من يمارسان سياسة التحكم بما يمتلكانه من سلطة للتأثير على المشهد السياسي بالبلاد، وعلى الأحزاب المتحالفة معهم في الحكومة، داعيا السيد بن كيران إلى الكف عن استخدام الترهيب وتوزيع الشتائم، والانكباب عوض ذلك على حل مشاكل المواطنين.

وكان منتظرا من حزب الاستقلال باعتباره أقدم القوى السياسية المغربية، وأكثرها خبرة بدهاليز السلطة ومتاهات المعارضة أن يوظف هو أيضا مفهوم التحكم في وجه أكثر من جهة في وقت واحد وبأشكال مختلفة.

*الاستخدام الأول كان  لقصف الائتلاف الحكومي الراهن بقيادة حزب العدالة والتنمية، معتبرا إياه في العديد من المناسبات مجرد فرع محلي للإخوان المسلمين يستعمل التحكم لتمهيد الطريق أمام توحش داعش.

*الاستخدام الثاني جاء في صيغة بيان حزبي أكثر وضوحا لتحذير الدولة العميقة ووزارة الداخلية وحزب الأصالة والمعاصرة من أن عملية تعطيل مسار الإصلاح السياسي انتهت بالعديد من الأقطار العربية إلى مصائر مفجعة، وأن إضعاف القوى السياسية من خلال تركيعها واحتوائها سينتج بالضرورة تبخيسا للمؤسسات الدستورية نفسها.

أما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فقد اكتفى في هذا الصدد بما صدر عن شبيبته، التي انتقدت ما أسمته تصاعد المد السلطوي الاستبدادي، وعودة نزعة التحكم في المشهد السياسي المغربي، محملة المسؤولية الكبرى للحزب الذي يقود الحكومة ؛ لأنه خلق آليات جديدة تفسد العملية الانتخابية من خلال شرعنة استعمال المال العام والتحكم في توجيه الخريطة الانتخابية "لصالح تحالف اليمين الديني، واليمين المخزني" على حد تعبيرها.

هكذا غدا مفهوم التحكم  سلاحا بفاعلية مزدوجة  في يد جميع أطراف اللعبة السياسية. بعضهم يعتبره عند الهجوم أداة شلل، وبعضهم في حالة الدفاع يستخدمه مشجب فشل، وشماعة للكسل؛ ولكن لا أحد منهم امتلك جرأة الإقرار بأن ظهور المصطلح يعني إخفاقهم جميعا في عملية تنزيل فلسفة دستور 2011 وروحه ضمن إطار ديمقراطي سليم وشفاف يعكس الإرادة الشعبية في بناء مؤسسات حقيقية وليس مجرد واجهات تزيينية.