الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبدالالاه حبيبي:صناعة مستهلكي الرداءة والتسطيح

عبدالالاه حبيبي:صناعة مستهلكي الرداءة والتسطيح عبدالالاه حبيبي
نشرات الأخبار المنتشرة،هنا وهناك، لا تحمل فقط حديثا عن أحداث دامية فيها ضحايا وتدمير، بل تمرر طاقة سلبية تداهم العقل الباطن، تبرمجه، تملؤه بالسواد، تضفي على الحزن مسحة جمالية، تشرط المتلقي بوصلات يومية حتى يصبح مدمنا على مشاهد العنف، راغبا فيها، طالبا إياها بدون وعي منه، وقد يلتجئ إلى نشرات رديئة من عالم "النت" لإشباع هذه الرغبة في رؤية مشاهد القيامة والموت والخراب. و بالتعود يزيغ قلبه عن رؤية العالم بمنظار السلم والتعاون والمحبة، وتسير الحياة عنده بطيئة ومملة إذا لم يتخللها العنف والارتجاج.
ولعل هذا ما يرفع من درجة التوتر في العلاقات الأسرية، والاجتماعية وحتى في العلاقات العاطفية.
إنه نوع من الاضطراب الخطير الذي بدأت ملامحه تلف الواقع لتلونه بألوان العنف القادم من صناعة التراجيديا إعلاميا. لا غرابة إذن أن يصبح الأدب بدون قراء، والفكر بدون مريدين، لأن هذه الحقول المعرفية والإبداعية تخالف السائد، تعترض على صناعة قيم التنافس والهيمنة والسيادة على عقول الناس، لهذا نجد جمهورها في تضاؤل طردي مع ارتفاع جمهور الملاعب والحروب والصراعات بكل ألوانها تحت ذرائع بدائية لا يقبلها العقل ولا يبررها أي مسوغ ثقافي أو أخلاقي، اللهم السعي وراء الشهرة والمال والمجد الزائل.
وراء هذه المعركة الشرسة ضد الفرح الغائب، والإنسانية المهددة بالزوال يوجد جيش عرمرم من المؤسسات والشركات والخبراء يمارسون نشاطهم "الإشتراطي" قصد جلب مزيد من المستهليكن للرداءة والسطحية والابتذال بغاية تنويمهم سيكولوجيا، وتيسير السيطرة على خيالهم حتى تحقق الأرباح، وتراكم الهيمنة في مجالات الفعالية البشرية. لكن ما تنساه هذه المؤسسات هو أنها بصدد إنتاج الضجر والملل والفراغ واللامسؤولية، والرغبة المستمرة في اللعب والسفر عبر عوالم افتراضية، مع تكريس الترفيه كسلوك معياري، والتسلية كمطلب حيوي، والجنس الرخيص كسلعة ذات سعر حراري باهظ الثمن، وكلها مؤشرات على ميلاد إنسان جديد فارغ من كل روحانية، فاقد للقدرة على التمييز بين الخير والشر، يخلط بين اللعب والجد، يمارس القتل كتسلية والتخريب كمغامرة، أي إنسان شغله الشاغل هو تدمير كل الحواجز التي تحول بينه وبين غرائزه الأكثر بدائية...