الديمقراطية كائن بسيط مفرد، تركيبته البنيوية غير معقدة، يتكون من خلية واحدة غير مخلقة، تشبه خلية "الأميبا" التي اكتشفها داروين في "أصل الأنواع"[1]،.ذات مكون ثابت وأحادي العناصر لا يتغير.المبدأ الديمقراطي مكون مكثف البنية ثقافيا، متماسك الكينونة معرفيا،كثيف اجتماعيا،حد المادة المترابطة في جزيئاتها الدقيقة مثل الذرة،لذا يصعب مطلقا تجزيئه أو تفكيكه أو قراءته من خارج منظومته الفكرية وبوسائل تعتبر نقيضة تماما لمحتواه الذهني والعقلي ومكوناته الثقافية.الديمقراطية هي منهج صادم لكل جنوح سياسي غير ديمقراطي يربط كيانه بها ويعتبرها وصفة جاهزة لتلبية ميوله الميكافيلية.تعطيل الفعل الديمقراطي بالديمقراطية الصورية، منهج احتيالي غير موفق ولا يمت إلى الديمقراطية بصلة ولا يدوم طويلا ولا ينسجم مع المنهج العقلي في التعامل مع كينونة الأشياء.
الدرس الديمقراطي المزعوم الذي أراد المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية الذي انعقد يوم السبت 28 ماي 2016 أن يلقنه للأحزاب الوطنية، كما يشاع، ليس درسا في الديمقراطية، ولا يستحب أن يكون درسا ديمقراطيا ولا يجوز تلقينه لباقي الأحزاب الأخرى، والدليل أنه اعتمد التحايل وسيلة لاستقطاب رأي القواعد والتمويه على الرأي العام استقصاء الرأي العام والتصويت لتعديل تنظيمي الغاية منه تأجيل المؤتمر الوطني الثامن للحزب. أكيد أن الحزب كان بميسوره أن يلجأ إلى قرار التأجيل بدون مبررات كما تفعل سائر الأحزاب السياسية في المغرب،هذه الأخيرة تعبر عن حقيقة أوضاعها ولا تجلس وراء الشجرة التي تخفي الغابة، حزب العدالة والتنمية قدم مثالا للمكر السياسي،صير المؤتمر الاستثنائي وسيلة ديمقراطية لتبرير الأهداف،ديمقراطية بهذا المفهوم،هي مجرد منهجية لاحتواء الفعل الديمقراطي الجمعي وتسخيره وتنزيله من عليائه لخدمة الأشخاص. ما كان يضير حزب العدالة والتنمية لو رفض تنظيم هذا المؤتمر وترك الأمور على طبيعتها؟ أما في الحزب رجل رشيد يتحمل أعباء الحكومة مكان بنكيران،لو قدر للحزب الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة؟
في مقارنة بسيطة بين فهمنا للديمقراطية وبين فهم "الآخرين/الغرب" لها،يطل من كوة التاريخ شيء اسمه العقل السياسي وهو الدينامو الذي يحرك الأمم ويقطع بها مفازات التاريخ نحو التقدم والسمو،فإما أن يكون مصقولا صافيا تنعكس في مرآته صورة الواقع بجلاء، أو يكون بالغ السواد مدثرا بسجف التمويه والزيف والخرافة والعقدية وتأليه الأشخاص وهو الطريق المفضي حتما إلى المنحدر. إن الفهم البسيط للأشياء يعطيها معناها الحقيقي ومحاولة تغليف الحقيقة بالزيف هو الذي يولد التأويل الخاطئ، وهذه هي مرجعية السياسة في عالمنا العربي قاطبة.فقدان العقل السياسي لصوابه ورثنا مآثر الخزي السياسي وقدم نماذج خارقة من النكبات، اغتال الديمقراطية وأقبرها في ممارسات وسلوكيات وتعريفات خطابية وأفعال لا تمت للديمقراطية بصلة. فكيف إذن نفهم الديمقراطية إذا فقد العقل السياسي صوابه وصار وسيلة لتحقيق المآرب والأهداف الضيقة وخديعة نركبها خفية بالليل لندخل بها حصون الأعداء نهارا؟
في بلدان الغرب الديمقراطي، يصعب كثيرا أن يتقبل أي حزب سياسي، تنظيم مؤتمر استثنائي لتعديل القانون التنظيمي للحزب لتعزيز حظوظ زعيم سياسي يتشبث بالعودة إلى الرئاسة.والسبب بسيط،هو أن الديمقراطية الغربية مثل خلية "الأميبا" الداروينية، لا تقبل التجزيء، والزعامة السياسية لا تعتبر وثنا يعبد في هيكل الحزب، والكاريزما لا تقاس إلا بمستوى الحمولة الفكرية والثقافية والعلم الذي يميز بين الأشخاص.ببسيط القول لا يؤمن أحد هناك باستعمال الديمقراطية ورقة سياسية لأي طموح ولا يعرف الفكر السياسي والرأي العام، الديمقراطية، بكونها ديمقراطية منهجية أو غير منهجية أو ديمقراطية المناسبات والأشخاص. فالفعل الديمقراطي منسجم مع العقل والمبدأ والسلوك والأخلاق، والفعل غير الديمقراطي يتنافى معها جميعا، تلك هي العلامة الفارقة بينهما؟
[1] كتاب داروين حول حقيقة التكوين البشري والأميبا Amibe في زعمه هي خلية غير مركبة خرجت من البحر،كانت وراء التكوين الجسماني للبشر.