هل أعطى بنكيران بالدفاع عن حق أعضاء حكومته باقتناء السيارات الفارهة من أنواع المرسيديس وتوارغ، التي تليق بمقامهم وعلو شأنهم، عوض السيارات العادية "البلدية" مثل داسيا، الضوء الأخضر للمسؤولين المنتخبين الذين نفشوا ريشهم هم أيضا، وحذوا حذو الوزراء باقتناء سيارات فخمة تليق بحظوتهم في استغلال فاضح للمال العام على حساب انتظارات الناخيين في التنمية وفك العزلة ومحاربة الفقر والبطالة الخ.. "أنفاس بريس" ناقشت الموضوع مع الأستاذ محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغريية لحماية المال العام، فصرح لها بما يلي:
"موضوع اقتناء السيارات وبأثمنة مرتفعة جدا من طرف بعض رؤساء الجماعات الترابية تعكس نوعا من نظرة المسؤولين تجاه المال العام، حيث لو تعلق الأمر باقتناء مثل تلك السيارات من أموالهم الخاصة لتغيرت النظرة، وحضر خطاب التقشف والحسابات، "وبزاف علي هذا الشي" و"ماعنديش منين نخلص هاد الشي كامل".. لكن عندما يتعلق الأمر بالمال العام فيتغير الخطاب، ويتم إضفاء نوع من الشرعية على هذا التبذير، وذلك بتمرير قرارات الاقتناء بالمجلس الجماعي، بناء على الحسابات السياسية والولاءات الموجودة والمصالح المتبادلة، حيث تكون كل هذه الاعتبارات وراء التصويت لصالح القرار ويصبح التصويت بمثابة تغطية على تبذير المال العام.. كما أنه، وفي الوقت الذي تعرف فيه جهات ترابية خصاصا كبيرا جدا كالراشيدية بجهة درعة تافيلالت، حيث تعاني من نقص فظيع على مستوى البنيات التحتية والهشاشة الاجتماعية والفقر والبطالة وضعف في الخدمات العمومية، تجد في المقابل رئيس الجهة الشوباني لا يتوانى عن اقتناء مثل هذه السيارات الفارهة، بل تصل به الجرأة والشجاعة إلى حد الدفاع عن قراره اقتناء سيارات توارغ الفخمة.. ونرى بعض أنصار البيجيدي وقياديي هذا الحزب كيف يدافعون عن قرار الشوباني المنتمي لنفس الحزب، رغم أن قراره غير صائب وغير صحيح، ويتنافى مع مبدأ الحكامة، ويتناقض مع خطابات العدالة والتنمية والحكومة حول الشفافية وربط المسئولية بالمحاسبة، وتخليق الحياة العامة، وما يردده بنكيران دائما بـ "تزيار السمطة" وغيرها من الشعارات...
ولم تقف مثل هذه المبادرات عند حدود رؤساء البيجيدي وحدهم، بل طالت هذه الآفة لتشمل جهات أخرى ورؤساء ومنتخبين آخرين، كجهة الدار البيضاء سطات وجهة العيون، مع العلم أن هؤلاء المنتخبين بداية ترشحوا للانتخابات طواعية، وارتضوا أن يضعوا أنفسهم رهن إشارة المجتمع من أجل خدمة القضايا الحيوية في التنمية المستدامة، وليس كما يحدث اليوم من أجل التهافت دون -حشمة- ولا ورع في البحث عن المنافع والمغانم والامتيازات وخدمة مصالحهم الخاصة.. وبالتالي فهذا الانتداب العمومي الذي من المفروض أن يكون فيه نوع من التضحية لخدمة المجتمع والسكان حولوه (الانتداب) إلى آلية للتباهي أمام المجتمع والناخبين الذين انتدبوهم وآلية للاغتناء غير المشروع.. ولا يؤشر الوضع بأن هنالك إرادة لدى هؤلاء المنتخبين من أجل إعطاء إشارات إيجابية للمجتمع بأن العهد القديم قد انتهى... فهنالك وعي في المجتمع يتحرك ويتبلور وما فتئ يندد بهذا التوجه ويطالب بمحاسبة هؤلاء، مثل ما وقع بالراشيدية، حيث خرجت مسيرات تطالب بإقالة الشوباني!! وعلى المنتخبين إذن أن يأخذوا حذرهم من الوعي المتنامي للمجتمع، ولا يستغفلون هذا المعطى، ولا يعتقدون أن المجتمع غبي، بل هو يقظ وحي ومستعد للتنديد بأي استنزاف يحدث للمال العام.
وحول ما إذا كان هؤلاء الرؤساء يستغلون في قرارات اقتتائهم للسيارات الفارهة وجود ثغرة قانونية تتمثل في غياب نص صريح يمنعهم من ذلك، أكد الغلوسي بأن هنالك القانون وهنالك الأخلاق التي يجب أن تتحلى بها الأحزاب السياسية وممثلوها من المنتخبين.. وإذا كان القانون لا يحدد نوع وحجم ومعايير العربات التي يتم اقتناؤها، فإن هذا القانون يسمح للمنتخبين بأن يتوفروا على آليات ووسائل من أجل مزاولة مهامهم. ولكن هذه الوسائل يجب أن تتناسب أولا مع الميزانية ومداخيل الجهة، وثانيا مع مهام المنتخبين وبرامج التنمية التي وضعوها بجهتهم.. أما أن يتم فتح الباب على مصراعيه خارج مبدأ "التناسب"، بل فقط من أجل التبذير وتبديد المال العام، فهذا أمر غير مسموح به، وعلى المخلين أن يخضعوا للمحاسبة في هذا المجال".