الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمان رشيق: السلوك الاحتجاجي للمغاربة ابتعد منذ أوائل التسعينات عن الانتفاضات العنيفة والدموية

عبد الرحمان رشيق: السلوك الاحتجاجي للمغاربة ابتعد منذ أوائل التسعينات عن الانتفاضات العنيفة والدموية عبد الرحمان رشيق، باحث في علم الاجتماع
الحركات الاجتماعية هي ظاهرة صحية لأنها تحمل في طياتها التغيير. والضغط الذي تمارسه هو محاولة للتقليص من الفوارق الاجتماعية وكذلك المجالية. وهي تعتبر بمثابة ميزان الحرارة للصراع الاجتماعي القائم. ويجب القول كذلك بأن الحراك الكثيف و "الدائم" له كلفة اقتصادية واجتماعية على المنطقة، كالحسيمة، مثلا، خصوصا وأن المنطقة هي وجهة تنتعش من السياحة.
فقد لاحظنا أن السلوك الاجتماعي الاحتجاجي للمواطنين المغاربة قد تغير وابتعد منذ أوائل التسعينات من الانتفاضات العنيفة والدموية (1981، 1984،1990 ) إلى الاحتلال السلمي للمجال العام و التعبير السلمي على غضبه.
لقد نجح المغرب في غرس عادة الاحتجاج الاجتماعي السلمي في الفضاء العمومي، بداية من النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي. لقد حلت الوقفة، والمظاهرة، والمسيرة، محل التمرد. وما يجري الآن في منطقة الحسيمة لخير دليل على ما أقوله.
فعلى الرغم من إننا أمام مظاهرات غير قانونية، فالحراك مستمر لعدة أشهر دون أن نسجل أي ضحايا أو تدخل قمعي لهذه المظاهرات التي تقام بدون ترخيص وبدون إشعار.
فمثلا نظم سكان إميضر، الواقعين في عمالة تنغير ( الجنوب الشرقي) أطول فعل جماعي احتجاجي سلمي في تاريخ المغرب، رغم تدخل السلطات المحلية معززة بفاعلين جمعويين وأطر شركة مناجم، فقد خاض هؤلاء السكان، منذ بداية أبريل 2011 إلى يومنا هذا (2018) أشكالا متعددة للاحتجاج الاجتماعي ( وقفة، مسيرة، إضراب عن الطعام، إلخ.) ، لكن لم تهتم بهم وسائل الاعلام. لأنهم يوجدون في منطقة معزولة والكثافة السكانية ضعيفة.
فعلى الرغم من إننا أمام مظاهرات غير قانونية، فالحراك مستمر لعدة أشهر دون أن نسجل أي ضحايا أو تدخل قمعي لهذه المظاهرات التي تقام بدون ترخيص وبدون إشعار لمدة شهور مثلا في الحسيمة وجرادة وتنغير.
أظن أن أكبر التحديات التي تواجه الحكومة هو الشغل والسكنى لكي تضمن السميك SMIG الخاص بالاندماج الاجتماعي؛ لذلك سيكون التدبير السياسي للاحتجاجات الاجتماعية على المحك خصوصا بعد الحركات الاجتماعية التي عرفتها و تعرفها منطقة الحسيمة و مدينة جرادة.
فالتعبير المتنامي على السخط الاجتماعي في المجال العام يغذيه الشعور الجماعي بالأمل وبإمكانية التغيير على مستوى وضعيتهم الاجتماعية المزرية. فالحرمان هو حالة من التوتر، ورضا مُتوقع لكن يُرفض، ولا يتحقق. هذا الإحساس هو الخطوة الأولى للتمرد أو المظاهرات.
فمثلا مجموع الرجال و النساء الذين يمتهنون حرفة "الفراشة" يعلمون أ ن الضغط على الدولة والسلطات المحلية سيمكنهم عاجلا ام آجلا من انجاز سوق نموذجي يأوي كل العاملين في هذا القطاع الذي انتشر بشكل مدهش منذ سنة 2011 يعني منذ ما يسمى بالربيع العربي. لقد اسُتغل سلوك الأجهزة الأمنية في سنة 2011 من طرف "الفرّاشة" لاحتلال المجال العام والشوارع والأزقة.
لقد وضع منظرو الحرمان (la frustration) القاعدة السوسيولوجية التالية: "عندما يكون الناس في حالة من اليأس والبؤس الشديدين، فإنهم غالبا ما يكونون أقل نزوعا إلى التمرد، لأنهم يكونون حينئذ بدون أمل... وحين تتحسن وضعياتهم بعض التحسن، ويكون لديهم شعور بتغير محتمل، إذ ذاك فقط يتمردون تمردا فعليا ضد القمع والجور. إن ما يفجر العصيان لهو الأمل وليس فقدانه، لأن الأمل هو الذي يبعث الثقة، وليس التألم المكتئب". فمنطقة الراشيدية وهي أفقر منطقة في المغرب لم تعرف أي غضب جماعي على الرغم من وجود عزلة جغرافية واجتماعية كبيرة وتفاقم تهميشها مقارنة بالمناطق الأخرى التي تحظى بسياسة عمومية ديناميكية نسبيا.
فالجديد في المجتمع المغربي هو أ ن الفوارق الاجتماعية والمجالية لم يعد المجتمع ينظر إليها كحالات طبيعية وحتمية.
فقد تغيرت هذه التصورات الجماعية خصوصا بعد تدخلات الدولة من خلال سياساتها العمومية حيث يشعر الفرد بأن هناك امكانية لتغيير وضعه الاجتماعي من خلال الاحتجاجات الجماعية.
يتسم الاحتجاج في الوسط القروي والمدن الصغيرة والمتوسطة بسمات أكثر ارتباطا بالتضامن الترابي وللغوي والانتماء إلى الجماعة أو القبيلة أو العشيرة أو الحي. فالمواطنون من خلال احتجاجهم في منطقة الريف مثلا يعبرون عن أنفسهم كعشيرة (communauté) تقليدية مبنية على اللغة المشتركة وروابط قبلية وعلاقات الدم والقرابة وعلاقات الجوار، وتاريخ قريب وأليم مشترك لا زال يهيمن على الأذهان. كما أن ما يجري في مدينة جرادة من احتجاج كثيف يعبر عن هذا التضامن الذي يجد أصله في الجوار والمشاكل المشتركة.
فهناك حمولة تاريخية أخرى تعبر عن الحگرة والتهميش و الحرمان التي نهجها النظام السياسي بعد الاستقلال مثلا بالنسبة لمنطقة الريف ومنذ أواخر التسعينات بالنسبة لمدينة جرادة.
إن ضمان الحقوق السياسية والاجتماعية و الثقافية هي التي تضمن الاستقرار، والاستقرار يسمح بالتنمية الاقتصادية، فعلى الرغم من ارتكاب وتراكم بعض الأخطاء في التدبير السياسي لملف الحركات الاحتجاجية في الآونة الأخيرة، منذ 2015 التي شهدت فيها المدن المغربية احتقانا اجتماعيا كبيرا حيث دامت المظاهرات في الشارع العام لعدة أشهر، فإن الدولة تملكت أعصابها وتجنبت لحد الآن التدخل القمعي المنهجي.
كانت حالات الفقر المجتمعي والإقصاء المجالي تُعاش من قبل السكان باعتبارها حالات "طبيعية". لا ننسى آثار صيرورة الانفتاح السياسي للمغرب منذ عدة سنوات ونهج سياسة عمومية تجاه هذه المنطقة المهمشة على الغضب الجماهري الحالي. والنتيجة التي تترتب عنهما هي أنها تغذي الأمل وتضاعف الانتظارات المجتمعية. فالتدخلات التي تقوم بها الدولة لصالح مناطق معزولة ومهمشة، تخلق الشعور بالتمييز لدى سكان مناطق أخرى تعاني من نفس الصعوبات. إن هذا التدخل يولد الشعور بحرمان نسبي. وهذا الحرمان النسبي يشعل حماسة الفاعلين المعبئين، ويثير حمية السكان الذين تغذوا بالأمل في تغير ممكن وأيام مشرقة. فالحرمان النسبي والأمل في التغيير هو الدافع الأول إلى بروز حركات اجتماعية ضخمة.