هل يخطط بنكيران لتهميش دور الملك، كما قال أحد مشايخ السلفية المصريين (محمود عبد الرازق الرضواني) على قناة "البصيرة" في يناير 2016؟
إننا ونحن على أبواب الانتخابات التشريعية، لا يتحرج الأصوليون و"إخوان المغرب" في الانخراط في لعبة شد الحبل مع الملك محمد السادس، ومزاحمته في دوره الديني،ومعاكسة توجهاته في الإصلاح الديني باعتباره المؤتمن دستوريا على الدين. دليلنا على ذلك التصريحات المنسوبة لرئيس الحكومة (عبد الإله بنكيران) والناطق الرسمي باسم الحكومة (مصطفى الخلفي) حول التشبث باسم التربية "الاسلامية" بدل "التربية الدينية"، خاصة أن الملك هو من دعا من مدينة العيون في فبراير 2016 إلى "مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية بالمغرب" على أن ترتكز هذه المراجعة "على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي، الداعية إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية"، كما جاء في بيان للديوان الملكي.
فماذا يريد الأصوليون بالفعل؟ ولماذا هذا التدافع بالمناكب لمعاكسة هذا التوجه الملكي؟ وما هو الخطر الذي هب الأصوليون من أجل منع حدوثه إذا تم تعويض "التربية الإسلامية" بـ "التربية الدينية". إن ما سمعناه من تصريحات، وما رأيناه من تحركات للجماعات والجمعيات الدينية المحسوبة على "البيجيدي" يجعل النقاش حول الوثيقة الدستورية عام 2011 يطفو من جديد بخصوص "إسلامية الدولة" أو مدنيتها.
إن الاعتراض الكبير الذي أبداه رئيس الحكومة وحواريوه وحزبه وجماعته وجمعياته الأصولية، لتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الاصولية -في شخص بنكيران- تتطاول على اختصاص أمير المؤمنين وعلى سلطاته المنصوص عليها دستوريا (الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية/ الفصل 41)، علما أن المفروض في الحكومة هو أن تقوم بتصريف التوجهات الملكية، وليس تحريك أذرعها في كل مكان، من أجل معاكستها، وشن الحرب بالمناولة عليها، بل أبعد من ذلك إظهار هذا التوجه لتعويض "التربية الإسلامية" بـ "التربية الدينية"، كما ورد في وثيقة لمديرية بوزارة التربية الوطنية"، وكأنه مجرد إشاعة.
وهكذا يتضح أن الأصولية بدأت تكشف عن أنيابها، بل آخذة في ممارسة الوصاية على الملك، وعلى محاولة الاستفراد بكل ما يرتبط بالحقل الديني، ضدا على النص الدستوري. والغاية طبعا هي السطو على هذا الحقل، في أفق "أسلمة" المجتمع والانقضاض على الحكم. فما العيب في اسم "التربية الدينية"، خاصة أن المغاربة مسلمون، وليسو من عبدة الأوثان أو الشيطان؟ أليس الاسلام دينا حتى يرفضوا اقتران التربية بالدين؟
إن المد الأصولي يتطلع إلى "تأبيد" نفسه في الحكم، وهو يعتبر أن الولاية الحالية ما هي إلا "حركة تسخينية" أو فاتح للشهية من أجل إقامة "الدولة الأصولية" على شاكلة دولة " سيدنا" أبوبكر البغدادي، وإلا ما معنى هذا الإصرار على: التربية الاسلامية، البنوك الاسلامية، السيارة الاسلامية، الزي الاسلامي، الطب الاسلامي، الأدب الإسلامي، السينما الإسلامية، التشكيل الإسلامي، التكنولوجيا الإسلامية، الهندسة الإسلامية، علم الفضاء الإسلامي.. وكأن المغاربة مازالوا يركعون لمعبودات وأوثان قريش!
إن ما يعبر عنه الأصوليون باحتشام، وأحيانا بجرأة، يكشف أنهم كلما حققوا مكسبا إلا وتمططوا لاقتحام مجالات اخرى، حتى وإن كان هذا المجال مجالا محفوظا للملك، وهو ما يستدعي الانتباه واليقظة، حتى لا نجد أنفسنا أمام رجم الزانية وقطع يد السارق.. و"كاع اللي حرث الجمل دكو" !