الخميس 25 إبريل 2024
منبر أنفاس

عبد الغني السلماني : نشيد الطغيان بين الوهم والبهتان 1/ 2

عبد الغني السلماني : نشيد الطغيان بين الوهم والبهتان 1/ 2 عبد الغني السلماني
الباحث د .عبد الغني السلماني : نشيد الطغيان بين الوهم والبهتان 1/ 2
في حمأةِعودة الصراعِ بين الأحزاب المغربيَّة على مسافةِ من تشكيل الحكومة الأولى والثانية لسعد الدين العثماني، يٌشعِل بن كيران النقاش من جديد ويٌخلط الأوراق معلنا أن مرحلته لم تنتهي بعد، بل لازال في جعبته الكثير ملوحا بجهاز مفاهيمي يمتح من معاجم مختلفة من أجل الاستمرار في إِلهاء الناس ، وإنذار الأغلبية الحكومية بأنه معادلة صعبة تتجاوز حتى الحزب الذي بوأ سعيد الدين العثماني أمينا جديدا للعدالة والتنمية . بتمرير خطاب لما يسمى "بالتحكم" في فرض الخريطة التي يريد.
إنها الفرصة التي يعرف فيها رئيس الحكومة السابق كيف يتجاذبُ الحبلَ مع حزبه الذي أزاحه من الأمانة العامة ولم يمكنه من ولاية ثالثة كما حلم مريدوه، وإيصال رسائل لمن يهمهم الأمر بشكل مباشر لكل من عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ، والكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ادريس لشكر، وإيصال رسائل غير مباشرة لمحيط القصر في دلالة يعرف جيدا مغزاها ومبناها .
في هذا الصدد يقدم الأستاذ الباحث عبد الغني السلماني قراءة في الخطاب الذي يوظفه السيد عبد الإله بن كيران بنبرة الأكاديميُّ المستقل الذي يلفتُ إلى ما خلفهُ انحطاطُ الخطاب السياسي للفاعل السياسي من نفورٍ لدى النَّاس، بفعل تطاحن الأحزاب ، في مشهدٍ لا يبشرُ بأفق يستجيب لطموحات الناس ، من خلال التبشير بقيم سياسية نبيلة تعيد الأمل للجمهور في السياسية والأحزاب ؛ لكن الواقع لا يرتفع.
في السياق : بنكيران في خروجه الإعلامي الأخير قال " إذا كان الشعب يريد بن كيران من جديد ، فإن بن كيران سيعود من قبره " هذه العبارة تلخص الحالة النفسية لسياسي فقد إمكانية الاستمرار والسيطرة حيث فرضت علية عملية إرجاع المفاتيح بعدما فشل في تشكيل حكومة نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2017، بن كيران وقف ضد إرادة الشعب عندما خرج هذا الأخير زمن الربيع يحمل شعارا الشعب يريد ...؛ الآن يتوسل بن كيران إلى الشعب ويخطب ود من يهمه الأمر ويسعى رضا جهات عليا يردد دائما أنه وفيٌ لها ، لكن قراراته التي استأسد بها على الجماهير الكادحة ، مكنته أن يتزعم التشريعيات السابقة ويفوز بالمرتبة الأولى لكن فرحته الشخصية كانت ناقصة لأنه لم يدرك ولم يستوعب كيفية تدبير المفاوضات ووقع ما وقع ؟؟؟ لابد أن نشير أيضا أن الصحافة استطابت خرجات وقفشات بن كيران من أجل بيع المادة الخبرية ، حيث يعرف كيف يسوق سلعته وتحظى خطاباته بتتبع واسع إنها أعطاب سوسيولوجية جديرة بالدراسة إن التستر على الواقع الحقيقي الذي يعرفه المجتمع المغربي الذي أصبح بفعل الحراك المُشتعل في أكثر من مدينة : الحسيمة ، وطاط الحاج ، الصويرة ، ورززات ،جرادة .... إنها تحدياتِ الفترة الحرجَة التي تمر منها البلاد والتأثير الذِي لا زالَ يمارسهُ السيد بن كيران في تعميق الهوة بين مكونات الأغلبية الحكومية في رسم المرحلة القادمة . حيث لا يقترب بن كيران في الجواب على إشكاليات واقع التنمية في البلد ، بقدر ما يفضل لغة الهجوم على الأحزاب السياسية التي كان يفضل التحالف معها في الأمس القريب والآن ينعتها بأبشع الأوصاف إنها انفصامية فاعل سياسي لم يقدم الجواب على واقع صعب ، ولم يستطيع حتى توفير شروط التحفظ لإنجاح التجربة الثانية التي يقودها حزبه ، وبِنفَسٍ آخر للسيد سعد الدين العثماني الذي لا يتقن لغة السوق والتواصل الشعبوي .
سبق للرئيس الأمريكي جيمي كارتر أن اعتبر أن الاختيار الحقيقي للقائد ليس في إجادته للمعركة بل في قدرته على مواجهة تحديات المنصب ومسؤولياته، وهذا هو القائد الذي يحقق الثلاثية المشهورة "دولة؛ أمة وسيادة شعبية " لذلك تقول العامة "من أراد أن يكون رئيسا فليكن خادما" ، والمتقدم للرئاسة والزعامة عليه أن يتخلى أن ذاتيته ونرجسيته وهذا ما لم يفعله بن كيران طيلة تواجده في مواقع المسؤولية، والخدمة مرتبطة هنا بمفهوم العمل والمسؤولية و التضحية ولذلك تقول الحكمة " اعطيني رجال عظماء أقاوم بهم الجبال ". عودة بن كيران إلى جمهوره وشبيبته وتصويبه لطلقات اتجاه حلفاء حزبه في الحكومة أثار العديد من ردود الفعل والمتابعة، ويكفي أن ترجع إلى وسائط التواصل وتنقر في اليوتوب مثلا اسم عبد الإله بن كيران حتى تستمتع بقهقهات الرجل ورسائله ، إنه الشخصية التي تمارس السياسة بالمزاج ورغم ذلك يٌشغِل الناس .
في الزعامة : مفهوم الزعامة من المفاهيم المرتبطة بحقل الفعل السياسي والاستقطاب في الفضاءات الجماهيرية حيث تسود ثقافة القطيع التي تُنمِط الأشخاص ، وتقضي على فكر الاختلاف والتنوع الذي يجعل من المماثلة اغتيال، ولقد عرف هذا المفهوم تطورات وفق مراحل متنوعة، انسجاما مع تباين ظروف وأوضاع المجتمعات والدول. مثلا في الإمبراطوريات القديمة كان الإمبراطور هو الزعيم الأوحد بلا منازع.
وإذا كانت الزعامة تبدأ بملكة الفراسة وسرعة البديهة وقوة الشخصية والانتقال إلى الفعل النضالي الطامح إلى العدل والحكمة وأخذ المشورة لسن القوانين والأنظمة والعمل على تطبيقها لحظة الوصول على السلطة وممارستها. إنها الصفة المفتقدة في هذه اللحظة وخاصة في رغبة "الزعيم " الاستمرار في ولايت ثانية وبشروطه الخاصة . حيث لم يكن الحكم عنده سوى خطب وفرجة ومهارة خطابية في القول والبرهان ؟ يصرح عشاق بن كيران في أكثر من موقع أنه يقوم بواجبه "كزعيم وطني " لما تحمله هذه الكلمة من غموض حيث الزعامة توزع بالمجان لأن لكل جماعة زعيمها .
لقد أثبتت التجارب أن نجاح التحولات مرهون بوجود زعيم رفيع المقام له حسٌ تاريخي وحدس وقدرة على استشفاف المستقبل، وكفاءة في القيادة ويحظى باحترام الجميع . وهذا ما لم يتقنه السيد بن كيران بمجرد الاختلاف معه حتى يتهم خصومه بنعوت جاهزة موظفا لغةً مغرقة بالبو لميك والتكتيك الخاوي؟ وكأنه يتوهم بالقادة التاريخيين الذي عرفهم المغرب علال الفاسي، المهدي بنبركة، عمر بنجلون ، عبد الله ابراهيم، عبد الرحيم بوعبيد، عبد الرحمان اليوسفي، بنسعيدآيت ايدر، هناك من قضى نحبه وهناك من ينتظر.
وفي غياب مثل هذه القامات التاريخية التي تقوم بالواجب النضالي والأخلاقي ضد التسلط والاستبداد، إن نسيم الحراك السياسي و ما يسمى بالربيع العربي عجل بوصول هذا التيار إلى الحكم، ولولا الفعل النضالي وضغط الشارع لما أمكن لهؤلاء أن يصلوا أصلا وأن يقوموا بترتيب شؤونهم الخاصة . لم يكن مثل هذا الأمر ليحدث لو أن هناك قامات فكرية وسياسة أطرت الفعل وحددت الهدف وقادة الحراك إلى وِجْهة الخلاص الأسمى في رفض كل الإملاءات في انسجام مع المصالح العليا للتغيير والوطن. إن غياب الزعيم في حياة ومسيرة التحول والتغيير يعني غياب البوصلة والحدس والرؤية والموقف ومن شأن هذا الغياب أن يُربك الأمل الذي كان يحلم به الجميع.