الأحد 5 مايو 2024
مجتمع

أمين التوازري: إن افتقد الفعل التعبدي روح الإخلاص والصدق مع الله يصير عادة لا تتجاوز الظاهر

أمين التوازري: إن افتقد الفعل التعبدي روح الإخلاص والصدق مع الله يصير عادة لا تتجاوز الظاهر

عند حلول كل رمضان تطرح من جديد أخلاقيات التدين في المجتمع المغربي، وذلك على ضوء المقاصد الكبرى التي أحاطها التشريع الإلهي بفريضة الصيام. وبهذا الخصوص تفيد كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بأن جوهر المقاصد هو الإمساك عن كل الشهوات، وعن كل الأعمال التي من شأنها أن تلوث لسان المرء وسلوكه اليومي.

من هنا تطرح الأسئلة حول ما إذا كان تدين الأفراد والمجموعات يهتدي بجوهر النصوص الدينية (آيات قرآنية وأحاديث نبوية)، أم أنه يلتف حولها ليجعل التدين مجرد «لباس الراهب»، أي مجرد قناع يخفي الجوهر الخبيث في الإنسان، ومن ثم تتفجر تناقضات الظاهر والباطن في سلوك المغاربة؟

"أنفاس بريس"، وتعميما للفائدة، تعيد نشر سؤال "كيف أصبح رمضان أكثر الأشهر نفاقا بالمغرب؟"، والذي وجههته أسبوعية "الوطن الآن" لفعاليات مدنية وحقوقية وأئمة وباحثين في الحقل الديني. وفي ما يلي وجهة نظر أمين التوازري، قيم الزاوية الأمينية الغازية بمكناس...

تصرفات الخلق تنبع من نوايا تخفيها قلوبهم ولا يعلمها حقيقة إلا خالقهم جل وعلا. فالناس يستحيل تعميم سلوكاتهم وجعلها كلها نابعة عن نفاق ورياء.. والتقرب إلى الله في هذا الشهر بالخصوص حث عليه ربنا العظيم وألح على اغتنامه سيدنا محمد الهادي البشير الذي قال: "رَمَضانَ شَهْرٌ مُبارَكٌ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوابُ الجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أبْوابُ السَّعِيرِ وَتُصْفَدُ فيهِ الشَّياطِينُ".

لقد دعانا الله تعالى في شهر رمضان المبارك إلى مائدة رحمته، وهدف هذه الدعوة توطيد العلاقة بالله تعالى من خلال تطهير الروح، وبناء الإرادة المرتبطة بقوّة الإيمان، التي تحكم علاقة الإنسان بربّه وبمجتمعه على مستوى الدنيا، وتحدّد مصيره على مستوى الآخرة.

وفي ما يخص التقرب إلى الله، فالله موجود في كل وقت وحين ويجب مراقبته وطاعته في كل الأزمنة والسنين وليس في رمضان فقط. ولكن تحريضه لنا حتى نتقرب إليه ونطيعه أكثر في رمضان يجعل الكل يهفو للطاعة في هذا الشهر، خصوصا وأن المسلم يشعر أنه تحرر من الشيطان كما أخبرنا سيدنا محمد الصادق المصدوق صل الله عليه وسلم. كان ينفق في رمضان ما لا ينفق في غيره، وقد ثبت في الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن فلهو أجود بالخير من الريح المرسلة..

وأشير إلى أن شهر رمضان يشمر فيه الناس للطاعة ولا يزال، ولكن هذا لا يعنى التطرف الديني في نظرنا المتواضع، لأن التطرف هو الجنوح عن الصواب وعن الهدي النبوي في شتى مناحي الحياة خصوصا على مستوى الفكر والسلوك والممارسة.

إن ممارسة الفعل التعبدي نرى أنه يجب أن يثمر سلوكات مرضية وتصرفات إيجابية تسعى للتنمية والرقي بالأفراد والمجتمعات، فمثل الذكر الذي حثنا الشرع الحنيف عليه لابد أن يثمر تذكر الله دائما وعلى كل حال، فالمسلم يذكر الله كل يوم بأوراد ترقيه إلى مستوى الإيمان بمراقبة الله له ومن ثم في مستوى الإحسان يكون دائم المشاهدة لربه ومولاه فلا يفعل ما يغضب سيده كأخذ الرشوة أو التكاسل عن أداء الواجبات أو يفرط في حقوق الآخرين. والصلاة التي أمرنا بها كذلك يجب أن يتولد منها دوام التواصل مع الرب العظيم.... وكذلك الصلاة على سيد السادات ومنبع الرحمات يجب أن يتمخض منها الاقتداء به في كل الحالات، لأنه مقياس المبادئ والقيم والفضائل كلها والتي يفتقدها العالم اليوم في عصر المدلهمات..

وفي ما يخص اللباس الذي يرتديه الإنسان فهو جزء من الهوية ومن القناعات التي يستبطنها العقل، لذلك فشكل اللباس يعبر عن دواخل الشخص ويبرز قناعاته.. فمثلا الذي يلبس في رمضان لباس قوم آخرين يعبر بشكل غير مباشر عن قناعته بأنهم قدوته في سلوكياته ومثاله الأعلى في التدين. لذلك فهو يتقمص سلوكيات بعيدة عن هويته وغير معبرة عن الحضارة التي ينتمي إليها.

إن الفعل التعبدي إن افتقد روح الإخلاص والصدق مع الله يصير عادة لا تتجاوز الظاهر ولا تتعداه، بخلاف المطلوب والذي هو ممارسة المناسك والطقوس مع استحضار البعد المآلي والغائي.