الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بن طاهر: فرنسا.. من موطن الهدوء والسلم إلى قلعة إرهاب وبلطجة

محمد بن طاهر: فرنسا.. من موطن الهدوء والسلم إلى قلعة إرهاب وبلطجة

ماذا يحدث فعلا في فرنسا؟ هذه الدولة التي عُرفت بهدوئها وسلمها، صارت تكاد لا تنام على تفجير إرهابي إلا واستيقظت على اعتداء همجي أكثر ضراوة.. قلق هنا وتوجس هناك حتى من غير معرفة إلى متى ستظل حالة الاستنفار هاته، أو ما يمكن أن تطل به الأيام المقبلة من تخريبات محتملة.

وإذا كانت مظاهر هذا الواقع الأمني المهتز تبايت منذ شهور، فإن التظاهرات العنيفة التي أُرخت بيوم الثلاثاء 14 يونيو الجاري، احتجاجا على قانون العمل، وما خلفته من تكسير لواجهات محلات خاصة وعمومية منها مستشفى الأطفال "نيكر"، فرضت نفسها على مستوى السياق الزمني الذي ارتكبت فيه أيضا جريمة قتل الشرطي ورفيقته من طرف جهادي.

من هنا كان لابد من بحث ما يجمع قتلة الشرطيين و"البلطجية"، وبالتالي التساؤل عمن يكونوا هؤلاء الذين يمكن تصنيفهم ضمن قائمة "الأغبياء"؟

تكتب عالمة الاجتماع إزابيل سوميي: "مصطلح البلطجية، مصطلح قديم يثار عادة عند أعقاب كل الأحداث المتسمة بالعنف كما هو حال ما وقع في ماي 1968 و1979 من انتفاضات طلابية واعتصامات عمالية، وأيضا تظاهرات الشباب المتمدرس منذ سنة 1994".

فنظير هذه الأعمال، تضعها إزابيل سوميي، على قدم المساواة مع السلوكات الدموية الخارجة عن المسار الرسمي والشرعي للاحتجاج، والتي يحركها مجرد نزعات إجرامية من غير حوافز أو دوافع سياسية. فقط خلفيتها الراغبة في التسلية، الشغب والسرقة، وأحيانا التطاول بالانتقاد المجاني لعرقلة عجلة التقدم وتشويه سمعة ما.

والذي جرى يوم الثلاثاء 14 يونيو الجاري في العاصمة باريس من طرف "البلطجية"، يظل قبل كل شيء معركة تواصل خسرها هؤلاء تحت إدانة عامة، لابتعاد الأحداث عن الاستجابة لأي مطلب شعبي آني.

وعلى ضوء كل هذا الانتصار لسلطة الصورة داخل عصر المواقع الاجتماعية، تتم مهاجمة مسكن شرطي وأهله بطريقة عنيفة وبربرية، وبذات الأهداف الرمزية لمهاجمة المستشفى، لنخلص إلى رسم صورة تغذي دواعي التواصل السياسي.

إن صور واجهات مستشفى "نيكر" للأطفال المعتدى عليه، تبرز كون المسؤولين لم يهاجموا، بأي حال من الأحوال، الصحفيين ولا الهواة ممن سجلوا أو صوروا الحدث.

وفي قلب هذا الفضاء المعنف يبقى ملتقطوا الصور في نظرهم كأشياء محايدة، وذلك لأنهم هم من أرادوا تعميم نشرها ومنحها بعدها السياسي عبر المواقع الاجتماعية وقنوات الأخبار والصحافة اليومية سواء الوطنية أو الجهوية.

وفي نهاية الأمر، فإن الفرنسيين كافة وبجميع أجيالهم سيرون الصورة، كما يصطدمون بالتظاهرة الأكثر شراسة، عنف، وكراهية وخوف. الكل في شكل مخطط معارض هش ومنكسر. الذي لا يؤسس في البلاد سوى للعداء والقمع المولدان بدورهما للغضب ودعوات جديدة من أجل القطيعة والطائفية الناقلة لكل الأخطار. ومن ثمة، فإن صورة الزجاج المهشم، ليست سوى مرحلة من سيرورة تواصل سياسي يستهدف الفوضى المتوجة بأعلى درجات العنف.

هي إذن صورة حقيقية، إنما في الوقت نفسه وهم. فكم من بين الـ65 مليون فرنسي بإمكانه تحديد مصدر هذا العنف؟ فقط بعض المآت من الأشخاص لا أكثر من سيعتبرونه شرا مطلقا. وإذا أردنا ألا نبقى رهينين العاطفة ومصيدة الصورة، يمكن أخذ الحدث من بعده السياسي الحقيقي. فحقيقة مهاجمة مستشفى، وشرطي، ورجال أمن لغاية استهداف السلامة الشخصية لأمر في غاية في الخطورة.

إن حقيقة الصورة لا تغني عن التفكير في الحقيقة السياسية التي تحملها. والفاعلون فيها يريدون إبراز أن كراهية رجال الشرطة تقود حتما إلى أوضاع لا تحتمل. ومن الواضح أن السياسيين ينشطون كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي لترويج خطاباتهم حول اللامساواة والظلم وكره الجميع للجهاز الأمني. وإلى حدود هذا المستوى من اللامسؤولية السياسية يصبح الغبي النافع شرا نافعا.

"عبر مواجهة السخافة تنشأ الدناءة"

عبارة لخص مضمون أبعادها أب طفل طريح أحد أسرة مستشفى "نيكر" قائلا:

"هناك مآت آلاف الأشخاص الذين يتحدون الدولة في الأزقة، وواحد أو اثنين من كسرا زجاج المستشفى.

قذر قتل شرطيين بالسلاح الأبيض، وابنهما ذا الثلاث سنوات يعالج بمستشفى "نيكر". وفي الجانب الآخر، أصدر كازنوف تقريرا يجمع ما بين الحادثين بفعل عنف هذه الجريمة المزدوجة والحالة المأساوية للطفل. لذلك، فإذا كان الشباب المشاغب الذي هشم زجاج المستشفى غبيا، فإنه وكازنوف سخيفين.

وبدلا من الجري إلى "بلاطو" القنوات التلفزية للتشدق بالكلام الهراء، العمل بدل ذلك على سحب قانون الشغل، وتمويل المستشفيات، وبالتالي توفير تفاهة الشعارات على الأطفال وآبائهم".