الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الغني السلماني : بنكيران  يشوش على القضاء ويستفز التاريخ والذاكرة

عبد الغني السلماني : بنكيران  يشوش على القضاء ويستفز التاريخ والذاكرة الدكتورعبد الغني السلماني، ناقد وباحث

في استفزاز مبالغ فيه، عاد عبد الإله بن كيران يطل على المغاربة من جديد ، خلال تصريحات في لقاء مباشر لوقائع اللقاء الوطني لشبيبة الحزب والمنعقد بتاريخ السبت 03 فبراير 2018، ليؤكد في خطبته أن الحزب لن "لن يسلم عبد العالي حامي الدين المتهم بقتل الشهيد آيت الجيد محمد بنعيسى " ، يكون السيد رئيس الحكومة السابق والأمين العام للحزب السابق أيضا قد مارس الضغط الكافي في تحد سافر للدولة باعتبار القضية هي سياسية بامتياز .

بهذا التصريح يكون السيد عبد الإله بن كيران قد مارس استفزازا على التاريخ والذاكرة من خلال تحجيم "جريمة القتل" وتحويلها إلى "عراك" و"اشتباك" أدى إلى الموت ، معتبرا أن اغتيال آيت الجيد " قضية عادية وعودة هذا الملف هو ملف سياسي بامتياز.

إنها رسائل بن كيران التي يريد والتي يتقن، حيث يعتبر المتتبع للشأن العام أن هذا الأخير لم يهضم بعد ولم يستوعب هزيمته في رئاسة الحكومة مرة ثانية . وهو الآن يوجه رسائل للذين يعتبرهم مسؤولين على هذه الإهانة والإقصاء .

لذلك لابد من إعادة النظر في المبرّرات الضمنيّة والصريحة التي تؤلّف خرجات صاحب التصريح المستفز، وما يمثله خطاب الدين عنده في تمازج مع العنف. مما يطرح السؤال التالي :هل العنف من مقتضيات الدين ومن ضروراته؟ إنّ خاصيّة الإقصاء والانتشاء الفارغ بالانتصار هي التي تميّز الفكر الديني عموما و هي الفكرة المولّدة للعنف الذي يتسرّب إلى الأحكام الفقهيّة وإلى الضمير الديني عموما؟ والتي كانت سببا في اغتيال آيت الجيد وقبله المعطي وعمر وفرج فودة ومهدي عامل والقافلة تطول .

 متى سيستمرّ هذا الهراء في إنتاج ثقافة العنف، عبر مؤسّسة الحزب التي يدعي بأنها ديموقراطية وتحتكم للقانون ؟ كيف نقبل أن يستمر هذا العنف باسم الدين في زمن شاعت فيه ثقافة حقوق الإنسان وكونيّة القيم ونسبيّة الحقيقة ؟

في العدالة .... حماية للجميع:

يُجمِع الحقوقيون أن استقلال القضاء خطوة مهمة في اتجاه استكمال مسار سلطة العدالة ، بيد أن ذلك لا يمنع من طرح العديد من التساؤلات حول رؤية الحكومة لتدبير هذا الأمر خاصة بين وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ خصوصا فيما يتعلق بالإشكالات المرتبطة بتطبيق السياسة الجنائية، وما يتطلبه هذا التطبيق من إعمال لمقتضيات الملاءمة، وكيفية مراقبة تطبيق هذه السياسة من طرف البرلمان تفعيلا للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، بما في ذلك استحضار التوجه الذي أصبح يتبلور أمميا بخصوص تطوير مبدأالمساءلة القضائية تساوقا مع مبدأ استقلالية القضاء.

ولا شك أن حجم هذه التساؤل يجد مبرره كون رئيس الحكومة السابق لم يتعايش حتى مع مطلبه الداعي إلى تنزيل مشروع إصلاح منظومة العدالة، مما يثير الكثير من التخوفات والتوجسات لدى المراقبين والمهتمين وعموم المواطنين من احتمال انحراف استقلالية القضاء بتصريحاته "لن نسلم لكم أخانا" .

إنه التصريح الذي يجعل السيد بن كيران قد تحدى العدالة ودولة الحق والقانون ، من هنا نقول للسيد بن كيران إذا كان حزب العدالة والتنمية مع استقلال القضاء ينبغي احترام القضاء، وترك هذا الأخير يقوم بعمله ومهامه بحرية واستقلالية ونزاهة ، مهما كان الشخص المطلوب للعدالة ، لأنه لا أحد فوق القانون داخل دولة المؤسسات ، ويكفيك أن تنتبه وتتبع ما يقع في الدول الديمقراطية المؤمنة بالعدالة فرنسا نموذجا ، ورغم ذلك يحترمون القضاء ولا يعرقلون دور السلطة القضائية كما هو الشأن بالنسبة لك وحزبك . وهو ما يستدعي تقديم المزيد من الضمانات القانونية اللازمة لطمأنة المرتفقين على مستقبل العدالة في بلادنا.

عودة إلى ملف آيت الجيد :

لم يكن آيت الجيد بجسمه النحيل ممارس للعنف حتى باللغة، كان جسمه النحيف وقلبه الكبير يتسع للاختلاف والحوار والجدل ، كان يتواجد في كل ممر ومنعطف في فضاء ظهر المهراز باسما ومحاورا ، كان آيت الجيد يقلق راحة القتلة فتربصوا به من أجل الإجهاز على روحه وقلبه ، لا شيء يقلق النكوصيين المتاجرين بالدين أكثر من فكر متنور وجاد . آيت الجيد محمد بنعيسى عضو لجنة الجامعة الانتقالية الذي اغتالته قوى الغدر والظلام لم يأت الوقت لمحاسبة كل القتلة و الواقفين وراء الجريمة ،اغتيل بنعيسى بطريقة وحشية في طريقه إلى مسكنه رفقة رفيقه الخديوي الخمار في واضحة النهار وهو يمتطي سيارة أجرة في حي سيدي ابراهيم بفاس، قُتل غدرا، لكن روحه تسكن محبيه ورفاقه وعائلته وذويه . والمطلب لن يتوقف في عشق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية كيفما كان الدجًان والدجال ، إنها خلفية العنف القاتل التي كان ضحيتها الكثير من المناضلين والمثقفين ، وبقضية بنعيسى وكشف حقيقة اغتياله لابد من فضح كل القتلة ، حتى نساهم في حفظ الذاكرة وكشف الحقيقة التي من أجلها اغتيل آيت الجيد محمد بنعيسى، والمعطي بوملي بالمغرب، وفرج فودة بمصر، وشكري بلعيد والحاج محمد الإبراهيمي تونس، لابد أن نعمل على فضح القتلة أينما كانوا ، من خلال خلق فضاء معرفي حر ومبدع لنقاش قضايا التجديد والإصلاح الديني في المجتمعات العربية والإسلامية، والعمل على تحقيق رؤية إنسانية للدين منفتحة على آفاق العلم والمعرفة ومكتسبات الإنسان الحضارية، والتفكير في وضع أسس تيار فكري يؤمن بأهلية الإنسان وقدرته على الخلق والإبداع والجواب على واقعه خارج يقينيات إيديولوجية أو عقائدية،حيث يكون العنف وسيلة وهدفا مدمرا .

من هنا تبدو الحاجة إلى تفكير جديد في العلاقة بين الدين- العنف- السلطة إنه السؤال الذي نطرحه على باحثين ومختصين لمناقشة ظاهرة العنف الديني القاتل وتفكيك أبعاده، من خلال تحويل مخاطر العنف والإرهاب يتعين مواجهتها بروح التفكير العقلاني الجديد الذي يحول القتل إلى حياة بالمعنى السامي النبيل للحياة ، ذلك أنّ الإنسان أوسع من أن تُختصَر كينونته في دينٍ أو مذهبٍ أو طائفةٍ أو عرق، وأن كرامته وسعادته تكمن في احترام حريته في التفكير والتعبير والاعتقاد. لابد لهذا الرسالة أن تصل، لن تمروا، الجريمة لا تعرف التقادم للتاريخ ذاكرة، لأن قافلة الشهداء هي الذاكرة الحقيقية للتاريخ ؟