لأول مرة في تاريخ القضاء المغربي المعاصر، تجرى انتخابات ممثلي القضاة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ظل تعددية جمعوية متسمة بتنوع الأقطاب والتوجهات داخل بعض الجمعيات، وهو أمر سوف يكون له تأثير لا محالة على مسار الانتخابات ونتائجها، بل على مستقبل القضاء برمته، ويمكن رصد ذلك التأثير من خلال ما يلي:
1- مجلس أعلى للجمعيات المهنية القضائية:
يتطلع البعض إلى جعل الجمعيات المهنية للقضاة شبيهة بالأحزاب السياسية التي تسعى للوصول إلى السلطة عبر الانتخابات مما يفرض عليها تدبير علاقاتها وفقا لمنطق الصراع السياسي بما يتضمنه من خصومات وأحيانا حروب وأحيانا توافقات باعتبار السياسة هي فن الممكن في تحصيل المصالح. وهذا التوجه يبقى حاضرا لدى بعض النخب الجمعوية القضائية التي لا ترى أي أهمية للعمل الجمعوي إن لم يوصلها إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. ولعل في هذا ما يفسر حدة الخلافات وحصول انقسامات جمعوية كبرى في كل المحطات الانتخابية.. لكن المثير للصدمة هو تفكير بعض النجباء في إمكانية تجاوز الخلافات والتنسيق من أجل ضمان تمثيل جميع الجمعيات داخل المجلس وفقا لمبدأ المحاصصة الجمعوية.
وهذا السيناريو يبدو لي مرعبا جدا لأنه سيؤدي إلى تحويل المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى مجلس أعلى للجمعيات المهنية بما سوف يترتب عن ذلك من نقل صراعات وخصومات المشهد الجمعوي إلى قبة المجلس، الأمر الذي سيفقد ممثلي القضاة القدرة على الدفاع عن القضاة والتأثير في منهجية الاشتغال، كما يمكن أن يؤدي إلى توافقات يحصل بمقتضاها كل طرف على ما يريد وفقا (لمبدأ المحاصصة) دونما اعتبارا لعناصر الاستحقاق والكفاءة.
2- سبات جمعوي:
رغم أن الدور الأساسي للجمعيات يكمن في المراقبة والتتبع وتقديم الاقتراحات لتقويم العمل وتصحيح مساره، ولا يمتد إلى المشاركة في السلطة لأن ذلك سوف يؤدي إلى فقدها لهويتها، فإن الجري وراء مقاعد المجلس سوف يحولها إلى دكاكين انتخابية لا تفتح إلا مع قرب موعد الانتخابات، مما يعني أنها سوف تدخل إلى مرحلة سبات عميق مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الاقتراع. وهو السبات الذي لن يؤدي إلى تطورها ولن يجعلها تضطلع بدورها كفاعل أساسي في تطوير السلطة القضائية وحماية حقوق أعضائها.
3- الانضمام للأقوى:
الانتماء أسمى تعبير عن القناعات التي يحملها المرء، بعكس التعصب الذي يبقى صفة لصيقة بالجهال والغوغاء. وبين من ينتمي قناعة ومن يتعصب جهالة فسوف نرى استفحال ظاهرة الترحال الجمعوي نحو من يملك التمثيلية أكثر في المجلس. وهو الترحال الذي يبدو أنه بدء بالفعل داخل بعض المحاكم التي سار قضاتها على مذهب مسؤوليها في الانضمام الجمعوي.
بعد هذا لن نجد غضاضة في القول إن المصلحة العليا للسلطة القضائية لن تتحقق عبر جمعيات مهنية متصارعة أو متنافسة -على الأقل- حول مقاعد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بل في جمعيات مهنية تراقب كل مراحل الانتخابات وتسهم في تخليقها وشفافيتها وتعمل على حمايتها من كل أنواع التحكم والتأثير.